المقام الأوّل : المرجّحات الخمسة

١. الترجيح بالأحدث

في هذا الترجيح روايات أربع ، (١) نكتفي منها بما رواه الكلينيّ بسنده إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أرأيتك لو حدّثتك بحديث العامّ ، ثمّ جئتني من قابل فحدّثتك بخلافه ، بأيّهما كنت تأخذ؟» قال : كنت آخذ بالأخير. فقال لي : «رحمك الله!» (٢).

أقول : إنّ الذي يستظهره بعض أجلّة مشايخنا قدس‌سره (٣) أنّ هذه الروايات لا شاهد بها على ما نحن فيه ، أي إنّها لا تدلّ على ترجيح الأحدث من البيانين كقاعدة عامّة بالنسبة إلى كلّ مكلّف ، وبالنسبة إلى جميع العصور ؛ لأنّها لا تدلّ على ذلك إلاّ إذا فهم منها أنّ الأحدث هو الحكم الواقعيّ ، وأنّ الأوّل واقع موقع التقيّة ، أو نحوها ؛ مع أنّه لا يفهم منها أكثر من أنّ من ألقي إليه البيان خاصّة حكمه الفعليّ ما تضمّنه البيان الأخير ، وليست ناظرة إلى أنّه هو الحكم الواقعيّ ، فلربما كان حكما ظاهريّا بالنسبة إليه من باب التقيّة ، كما أنّه ليست ناظرة إلى أنّ هذا الحكم الفعليّ هو حكم كلّ أحد في كلّ زمان.

والحاصل أنّ هذه الطائفة من الروايات لا دلالة فيها على أنّ البيان الأخير يتضمّن الحكم الواقعيّ ، وأنّ ذلك بالنسبة إلى جميع المكلّفين في جميع الأزمنة ، حتى يكون الأخذ بالأحدث

__________________

(١) الأولى : رواية الحسين بن مختار الآتية.

الثانية : رواية أبي عمرو الكناني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وهي موافقة مع الرواية الأولى مضمونا ، وزيد فيها : «أبى الله ألاّ يعبد سرّا ، أما والله لئن فعلتم ذلك إنّه لخير لي ولكم ، أبى الله لنا في دينه إلاّ التقيّة». وسائل الشيعة ١٨ : ٧٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ١٧.

الثالثة : رواية المعلّى بن خنيس : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا جاء حديث عن أوّلكم وحديث عن آخركم ، بأيّهما نأخذ؟ قال : «خذوا به حتّى يبلغكم عن الحيّ ، فإن بلغكم عن الحيّ فخذوا بقوله». وسائل الشيعة ١٨ : ٧٨ ، الباب ٩ أبواب صفات القاضي ، الحديث ٨.

الرابعة : رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن». وسائل الشيعة ١٨ : ٧٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤.

(٢) الكافي ١ : ٦٧.

(٣) وهو أستاذه المحقّق الشيخ محمد حسين الأصفهانيّ في نهاية الدراية ٣ : ٣٦٥ ـ ٣٦٦.

۶۸۸۱