المبحث الثاني : صيغة الأمر

١. معنى صيغة الأمر

صيغة الأمر ـ أي هيئته ـ ، كصيغة «افعل» ونحوها (١) تستعمل في موارد كثيرة :

منها : البعث ، كقوله (تعالى) : ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ (٢) ، ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (٣).

ومنها : التهديد ، كقوله (تعالى) : ﴿اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ (٤).

ومنها : التعجيز ، كقوله (تعالى) : ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (٥).

وغير ذلك من التسخير (٦) ، والإنذار (٧) ، والترجّي والتمنّي (٨) ، ونحوها (٩). ولكنّ الظاهر أنّ الهيئة في جميع هذه المعاني استعملت في معنى واحد ، لكن ليس هو واحدا من هذه المعاني ؛ لأنّ الهيئة مثل «افعل» شأنها شأن الهيئات الأخرى وضعت لإفادة نسبة خاصّة كالحروف ، ولم توضع لإفادة معان مستقلّة ، فلا يصحّ أن يراد منها مفاهيم هذه المعاني المذكورة التي هي معان اسميّة.

وعليه ، فالحقّ أنّها موضوعة للنسبة الخاصّة القائمة بين المتكلّم والمخاطب والمادّة ، والمقصود من المادّة الحدث الذي وقع عليه مفاد الهيئة ، مثل الضرب والقيام والقعود في «اضرب» و «قم» و «اقعد» ونحو ذلك. وحينئذ ينتزع منها عنوان طالب

__________________

(١) المقصود بنحو صيغة «افعل» أيّة صيغة وكلمة تؤدّي مؤدّاها في الدلالة على الطلب والبعث ، كالفعل المضارع المقرون بلام الأمر أو المجرّد منه إذا قصد به إنشاء الطلب نحو قولنا : «تصلّي. تغتسل. أطلب منك كذا» أو جملة اسميّة نحو : «هذا مطلوب منك» أو اسم فعل نحو : «صه ومه ومهلا» وغير ذلك ـ منه رحمه‌الله ـ.

(٢) النساء (٤) : الآية ١٠٣ ؛ الحجّ (٢٢) : الآية ٧٨ ؛ المجادلة (٥٨) : الآية ١٣.

(٣) المائدة (٥) : الآية ١.

(٤) فصّلت (٤) : الآية ٤٠.

(٥) البقرة (٢) : الآية ٢٣.

(٦) كقوله (تعالى) : ﴿كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ البقرة (٢) الآية : ٦٥ ؛ فإنّ مخاطبتهم بذلك في معرض تذليلهم.

(٧) كقوله (تعالى) : ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً الزمر (٣٩) الآية : ٨.

(٨) كقول الشاعر : «ألا أيّها الليل الطويل ألا انجل» ديوان امرئ القيس : ٤٩.

(٩) كالاستعانة والتكذيب والمشورة والتعجّب والاحتقار والدعاء والإهانة والتسوية.

۶۸۸۱