ودليل ، كسائر الأحكام التكليفيّة من هذه الجهة ، ولكنّه نظرا إلى أنّ العمل على وفقها عند الجهل بالواقع يكون معذّرا للمكلّف ، إذا وقع في مخالفة الواقع ـ كما أنّه يصحّ الاحتجاج بها على المكلّف ، إذا لم يعمل على وفقها فوقع في المخالفة ـ ، صحّ أن توصف بكونها حجّة بالمعنى اللغويّ. وبهذه الجهة يصحّ أن توصف بالحجّة سائر الأصول العمليّة والقواعد الفقهيّة المجعولة للشاكّ الجاهل بالواقع ، فإنّها كلّها توصف بالحجّة في تعبيراتهم ، ولا شكّ في أنّه لا معنى لأن يراد منها الحجّة في باب الأمارات ، فيتعيّن أن يراد منها هذا المعنى اللغويّ من الحجّة.

وبهذه الجهة تفترق القواعد والأصول الموضوعة للشاكّ عن سائر الأحكام التكليفيّة ؛ فإنّها لا يصحّ وصفها بالحجّة مطلقا ، حتى بالمعنى اللغويّ.

غير أنّه يجب ألاّ يغيب عن البال أنّ وصف القواعد والأصول الموضوعة للشاكّ بالحجّة يتوقّف على ثبوت مجعوليّتها من قبل الشارع بالدليل الدالّ عليها. فالحجّة في الحقيقة هي : القاعدة المجعولة للشاكّ بما أنّها مجعولة من قبله ، وإلاّ إذا لم تثبت مجعوليّتها لا يصحّ أن تسمّى «قاعدة» ؛ فضلا عن وصفها بالحجّة.

وعليه ، فيكون المقوّم لحجّيّة القاعدة المجعولة للشاكّ ـ أيّة قاعدة كانت ـ هو الدليل الدالّ عليها الذي هو حجّة بالمعنى الاصطلاحيّ.

وإذا ثبتت صحّة وصف نفس قاعدة الاستصحاب بالحجّة بالمعنى اللغويّ لم تبق حاجة إلى التأويل ؛ لتصحيح وصف الاستصحاب بالحجّة ـ كما صنع بعض مشايخنا قدس‌سره (١) ـ ؛ إذ جعل الموصوف بالحجّة فيه ـ على اختلاف المباني ـ أحد أمور ثلاثة :

١. «اليقين السابق» ، باعتبار أنّه يكون منجّزا للحكم حدوثا عقلا ، والحكم بقاء بجعل الشارع.

٢. «الظنّ بالبقاء اللاحق» ، بناء على اعتبار الاستصحاب من باب حكم العقل.

٣. «مجرّد الكون السابق» ، فإنّ الوجود السابق يكون حجّة في نظر العقلاء على الوجود الظاهريّ في اللاحق ، لا من جهة وثاقة اليقين السابق ، ولا من جهة رعاية الظنّ بالبقاء

__________________

(١) وهو المحقّق الأصفهاني في نهاية الدراية ٣ : ٩ ـ ١٠.

۶۸۸۱