محلّه (١) أنّ ما اعتبرت فيه القدرة عقلاً مقدّم على ما اعتبرت فيه شرعاً في المتزاحمين ، لارتفاع موضوع الثاني بالأوّل ، وكونه بمثابة الدليل الحاكم كما أشرنا إليه قريباً كان اللازم في المقام تعيّن الصلاة في الميتة أو في غير المأكول وعدم جوازها في المغصوب.

وأمّا الصورة الثالثة : فيظهر الحال فيها ممّا مرّ ، فإنّها مجمع للصورتين المتقدّمتين ، فاذا دار الأمر بين الذهب والحرير فمن حيث المانعية ملحقة بالصورة الأُولى ، فهي مندرجة في باب التعارض وحكمه التخيير ، دفعاً لاحتمال المانعية لخصوص كلّ منهما بأصل البراءة كما عرفت. ومن حيث الحرمة النفسية ملحقة بباب التزاحم ، وحيث لا ترجيح فالحكم أيضاً هو التخيير. كما أنّ نسبة الحرمة النفسية من كلّ منهما إلى الوضعية في الأُخرى على حدٍ سواء ، فلا ترجيح بوجه من الوجوه.

وإذا دار بين أحدهما وبين المغصوب فمن حيث المانعية في الغصب على القول بها ، وإن كانت تابعة تقع المعارضة بينها وبين المانعية في أحدهما ، فمن هذه الجهة الحكم هو التخيير ، وأمّا من حيث الحرمة النفسية فهما من باب المتزاحمين ، والقدرة المعتبرة فيهما عقلية كما لا يخفى ، فتصل النوبة إلى الترجيح بالأهمّية ، وحيث إن حرمة الغصب أهم من حرمة لبس الذهب أو الحرير ، إذ ليس في موردهما إلاّ حقّ الله تعالى فقط ، وأمّا الغصب فارتكابه يتضمّن تضييع حقّ الناس زائداً على حقّه تعالى ، فالمتعيّن تركه والصلاة في أحدهما.

وبعبارة اخرى : حرمة الغصب نفساً تتزاحم مع كلّ من التحريمين الثابتين للذهب والحرير النفسي والوضعي ، وتقدّم عليهما بملاكين ، فإنّها تتقدّم على حرمتهما النفسية بملاك الأهمية ، وعلى حرمتهما الوضعية بملاك تقدّم القدرة العقلية على الشرعية كما ظهر وجهه ممّا بيّناه.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٥٨.

۴۵۱۱