معارض باستصحاب بقاء الحجية الفعلية فيما أخذ به.
وأما ما عن شيخنا الأنصاري قدسسره من أن استصحاب الحجية التخييرية حاكم على استصحاب بقاء الحجية في أحدهما المعين (١) فمما لا يمكن المساعدة عليه ، لما عرفت من أن الحجية التخييرية لا معنى لها سوى إيكال أمر الحجية إلى اختيار المكلف ، بأن تتصف الفتوى بالحجية الفعلية بأخذها ، ومن الظاهر أن عدم الحجية الفعلية بهذا المعنى ليس من الآثار الشرعية المترتبة على بقاء الحجية التخييرية ليكون استصحابها حاكماً على استصحاب بقاء الحجية التعيينية ، وإنما هو من الآثار العقلية الّتي لا يترتب على الاستصحاب بوجه ، هذا.
والصحيح أن استصحاب الحجية التخييرية غير جار في نفسه ، لأنه بمعنى استصحاب الحجية الشأنية أعني الحجية على تقدير الأخذ بها ، وهو من الاستصحاب التعليقي ولا نقول به حتى إذا قلنا بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية في موارد الأحكام التخييرية ، ومع عدم جريان الاستصحاب إذا شككنا في حجية فتوى المجتهد الّذي يريد العدول إليه لا مناص من الحكم بعدم حجيتها لأن الشك في الحجية يساوق القطع بعدمها ، هذا.
ثمّ إن لشيخنا المحقق قدسسره كلاماً في المقام وحاصله : أن مقتضى حجية الطرق والأمارات على الطريقية كما هي الأصح ، أن تكون فتوى المجتهد منجّزة للواقع على تقدير الإصابة ومعذّرة عنه على تقدير الخطأ ، وإذا فرضنا أن الفتويين متعارضتان لم يكن معنى لكونهما منجّزتين لعدم احتمال الإصابة في كلتيهما وإنما هي تحتمل في إحداهما. نعم ، لا مانع من أن تكونا معذّرتين ومبرئتين للذمة معاً ، لأن التعارض إنما يمنع عن تصديق دليل الحجية من حيث منجزيتهما للواقع ، إذ لا واقع فيهما ولا يمنع عن تصديقه من حيث معذّريتهما بوجه ، ومعنى ذلك أن الشارع جعلهما معذّرتين تخييراً أي اقتنع عن الواقع بموافقة أحدهما مع دوران عقاب الواقع على مخالفتهما معاً ، وهذا المعنى من الحجية مما لا بدّ من الالتزام به في المقام ، للإجماع والعلم بعدم خروج وظيفة المكلف عن إحدى الفتويين ، وعدم تساقطهما والرجوع إلى غير
__________________
(١) رسالة في الاجتهاد والتقليد : ٨٧.