فالصحيح عدم وجوب الإعادة والقضاء إذا لم يكن ملتفتاً حال عمله ومتردداً في صحته حين اشتغاله به ، وذلك لحديث لا تعاد لأنه يشمل الناسي والجاهل القاصر والمقصّر كليهما.
والّذي يمكن أن يكون مانعاً عن شموله للجاهل المقصّر أمران قد قدّمنا الكلام فيهما عند التكلم على الإجزاء (١) وفي المسألة السادسة عشرة إلاّ أن الإعادة لمّا لم تكن خالية عن الفائدة تكلمنا عليهما أيضاً في المقام ، والأمران :
أحدهما : الإجماع المدعى على أن الجاهل المقصّر كالعامد ، نظراً إلى أن ذلك غير مختص بالعقاب وكون الحكم متنجّزاً في حق المقصّر وعدم معذّرية جهله بل يعمّه والبطلان كليهما ، ومقتضاه الحكم ببطلان عمل الجاهل المقصّر كالمتعمد كما يحكم باستحقاقه العقاب ، ويشهد لذلك أن الجاهل المقصّر لو لم يكن كالمتعمد لم تكن حاجة إلى استثنائه في الموضعين ، وهما ما لو أجهر في موضع الإخفات أو أخفت في موضع الجهر وما لو أتم في موضع القصر ، حيث حكموا بصحة عمله في الموضعين مدعياً الإجماع على صحته. وذلك لأنه لو كان عمله محكوماً بالصحة في نفسه لم تكن حاجة إلى التشبث بالإجماع على صحته في الموردين.
ويمكن المناقشة في هذا الوجه بأن القدر المتيقن من الإجماع المدعى أن الجاهل المقصِّر كالمتعمد من حيث استحقاقه العقاب ، وهو أمر موافق للقاعدة نلتزم به وإن لم يكن هناك إجماع بوجه ، وذلك لاستقلال العقل به فإن الحكم قد تنجّز عليه بالعلم الإجمالي على الفرض ، فإذا لم يخرج عن عهدته استحق العقاب على مخالفته. وأما الإجماع على بطلان عمله وأنه كالمتعمد في مخالفة الواقع فلم يثبت بوجه فإن الإجماع المدعى ليس بإجماع تعبدي ليتمسك بإطلاق معقده ، وإنما يستند إلى حكم العقل أو ما يستفاد من الأدلة الشرعية من أن الجاهل المقصّر يعاقب بمخالفته للواقع ، وهما إنما يقتضيان كونه كالمتعمد من حيث العقاب لا البطلان ، فإن المدار في الصحة والفساد كما تقدم موافقة العمل أو مخالفته للواقع ، فإذا فرضنا أن عمله مطابق للواقع إلاّ من ناحية بعض الأجزاء والشرائط غير الركنيتين والإخلال به لم يكن موجباً للإعادة
__________________
(١) راجع ص ١٦٦.