التنبيه الرابع : أن العامّي إذا لم يتمكن من الرجوع إلى المجتهد الجامع للشرائط إما لعدم وجود مجتهد أصلاً ، وإما لعدم كونه جامعاً للشرائط ، وإما لتعسر الوصول إليه كما في أيام التقية ونحوها فماذا وظيفته حينئذٍ؟
لا شبهة في أن لكل مكلف علماً إجمالياً بثبوت أحكام إلزامية وجوبية أو تحريمية في الشريعة المقدسة وأنها مما لا بدّ من الخروج عن عهدتها بوجه ، إما بالعلم الوجداني بامتثالها وإما بالعلم التعبدي به كما إذا عمل بفتوى من قلّده ، وبما أنه لا يتمكن من تقليد المجتهد الجامع للشرائط من الأحياء وجب أن يراجع الأموات فإذا كان أحدهم أعلم من غيره تعيّن عليه تقليده من الابتداء ، لا أنه يجب عليه الاحتياط وعلى تقدير عدم تمكنه منه يرجع إلى أعلم الأموات.
والوجه فيما ذكرناه أن السيرة العقلائية الجارية على رجوع الجاهل إلى العالم غير مقيدة بما إذا كان العالم حياً ، فلا فرق بحسبها بين تقليد الأحياء والأموات ، ولا بين التقليد الابتدائي والاستمراري.
وأما الأدلة اللفظية فهي وإن كانت ظاهرة في إرادة الحي ومن هنا قلنا باختصاصها به ، إلاّ أنها ليست بذات مفهوم لتدلنا على الحصر وعدم جواز تقليد الميت ، وإنما منعنا عن تقليد الأعلم من الأموات بحسب الابتداء لمانع خارجي وهو استلزم القول بوجوب تقليد الأعلم من الأموات ، انحصار المرجعية في شخص واحد وهو مما قامت على خلافه الضرورة من مذهبنا ، كيف وقد امتاز مذهب الشيعة عن مذهب أهل السنة والجماعة بعدم حصر المرجعية في شخص واحد أو أشخاص معينين على ما بيّناه عند التكلم على تقليد الميت الابتدائي (١). وهذا المحذور بما أنه عقلي لا إطلاق له فلا مناص من أن يقتصر فيه على المورد المتيقن وهو ما إذا تمكن المكلف من تقليد المجتهد الحي الجامع للشرائط فمع عدم التمكن من ذلك وجب أن يراجع أعلم الأموات ، ولا محذور في استلزام ذلك حصر المرجعية في شخص واحد ، لأن ما قامت الضرورة على خلافه إنما هو حصر المرجعية مطلقاً ، وأما حصرها في بعض الحالات والطوارئ وعند اقتضاء الضرورة ذلك فمما لا نرى فيه أي محذور. وعلى الجملة
__________________
(١) راجع ص ٨٣.