وعصيانه واستلزامه الفسق والانحراف ، وعدّ العرف ذلك معذّراً وتسامحهم في عدّ ارتكابه معصية لا يترتب عليهما أثر شرعي أبداً.
إذن الصحيح أن ارتكاب المعصية كبيرة كانت أم صغيرة تستتبع الفسق والانحراف وينافي العدالة سواء استند إلى عذر عرفي أم لم يستند ، هذا كلّه في عدم الفرق بين المعاصي في استلزامها الانحراف الّذي هو ضد العدالة ، وأما تقسيمها إلى الكبيرة والصغيرة وبيان الفارق بينهما فيأتي الكلام فيه عند تعرض الماتن له في التكلم على صلاة الجماعة واعتبار العدالة في الإمام إن شاء الله.
الأمر الثاني : في اشتراط المروّة في العدالة وعدمه.
العدالة والمروّة
المعروف على ما نسب إليهم أن ارتكاب خلاف المروّة مما يقدح في العدالة فيعتبر فيها أن لا يرتكب المكلّف شيئاً ينافي مروّته بأن لا يرتكب ما يخالف العادة المتعارفة وما يعدّ عيباً لدى الناس ، وإن لم يكن محرّماً شرعياً في نفسه كما إذا خرج أحد الأعلام حافياً إلى الأسواق أو جلس في الطرقات أو ارتكب غير ذلك مما ينافي عادة الناس. ويختلف هذا باختلاف الأماكن والبلدان ، فقد يكون الخروج إلى السوق مثلاً من دون عمامة عيباً في بلد ولا يكون عيباً في بلد آخر ، فمع ارتكاب ما يعدّ عيباً في ذلك المحل لا بدّ من الحكم بزوال العدالة. نعم ، لا يتصف الرجل بذلك بالفسق لأنه لم يرتكب شيئاً من المحرّمات ولم ينحرف عن جادة الشرع ، فلا يترتب عليه الآثار المترتبة على الفسق كما لا يترتب عليه الآثار المترتبة على العدالة.
والصحيح أن ارتكاب خلاف المروّة غير مضرّ بالعدالة ، لأن ما استدل به على اعتبارها في العدالة أمران كلاهما ضعيف ، ولا سيما أن القائلين باعتبارها ممن ذهبوا إلى أن الصغائر غير قادحة في العدالة ، ولعمري أنه من العجائب حيث إن ذهاب العدالة بارتكاب أمر مباح قد رخّص الشارع في الإتيان به ، وعدم ذهابها بارتكاب ما منع عن ارتكابه عجيب.
وكيف كان فقد استدل على اعتبار المروّة بأمرين :