الإجماع على الشرطية بقاءً.
أما الجهة الثالثة : فالّذي ينبغي أن يقال : إن الشرائط المذكورة معتبرة في المقلّد حدوثاً وبقاءً ، وذلك لأنه مقتضى ما ارتكز في أذهان المتشرعة حسبما استكشفته من مذاق الشارع من عدم رضائه أن يكون المتصدي للزعامة الكبرى للمسلمين مَن به منقصة دينية أو دنيوية يعاب بها عليه وتسقطه عن أنظار العقلاء المراجعين إليه فلا يحتمل أن يرضى بكونه جاهلاً أو منحرفاً عن الشريعة الّتي يدعو الناس إلى سلوكها فضلاً عن أن يكون راضياً بكونه مجنوناً أو كافراً أو غير ذلك من الأوصاف الرذيلة. فلا وجه لمقايسة هذه الشرائط لشرطية الحياة ، لأن ضدها أعني الموت ليس بمنقصة دينية ولا دنيوية ، وإنما هو كمال للنفس وتجرد من هذه النشأة وانتقال إلى نشأة اخرى أرقى من تلك النشأة بكثير ، ومن هنا اتصف به الأنبياء والأوصياء. وأين هذا من انقلاب العالم جاهلاً أو صيرورة العادل فاسقاً أو مرتداً ، لأن ذلك منقصة غير لائقة بالزعامة الدينية الكبرى كما مرّ.
إذن فالأدلة الدالة على اعتبار تلك الشرائط حدوثاً هي الأدلة بنفسها على اعتبارها بقاءً.
التنبيه الثاني : أن المجتهد قد يستنبط الأحكام الشرعية عن المدارك المتعارفة المتداولة بين المجتهدين أعني الكتاب والسنّة ويدخل فيها الإجماع لرجوعه إليها إذ لا يعتمد عليه إلاّ إذا استكشفنا به رأي المعصوم عليهالسلام وكذلك العقل أيضاً في بعض الموارد ، ولا إشكال حينئذٍ في جواز تقليده إذا استجمع بقية الشروط. وقد يتصدّى لتحصيلها بالطرق غير المتعارفة كالعلوم الغريبة من الجفر والرمل أو الاستخارة والقرعة وغيرها مما لم يقم دليل على حجيته في الشريعة المقدسة ، ولا ينبغي التأمل في عدم جواز تقليده ، وذلك أما بحسب الأدلة اللفظية فلأنه لا يصدق عليه الفقيه ، ولا يقال إنه فقيه في الدين ، أو ناظر في حلالهم وحرامهم وعارف بأحكامهم.
كما أن العقلاء ليست لهم سيره في الرجوع إلى مثله ، وهذا لعلّه مما لا إشكال فيه. وإنما الكلام فيما إذا استنبطها بطريق ثالث غير الطرق المتعارفة والغريبة ، كما إذا بنى