لا تتقدّم على الأُخرى بمجرّد كونها أقرب إلى الواقع كما إذا كانت أوثق من الأُخرى مع أن حجية الطرق والأمارات من باب الطريقية إلى الواقع ، فكذلك الحال في الفتويين المتعارضتين كما عرفت.
وأما ما أفاده شيخنا المحقق قدسسره من أن نسبة العالم إلى الأعلم نسبة الجاهل إلى العالم ، فهو وإن كان صحيحاً على ما أوضحناه آنفاً إلاّ أنه بالإضافة إلى المزايا والخصوصيات الدخيلة في حسن السليقة والاستدلال ، وأما بالإضافة إلى الاستنباط أصله وردّ الأصل إلى الفرع فهما على حدّ سواء ، كيف وكلاهما مجتهد ومن ثمّة لا يسوغ له الرجوع إلى الأعلم بل قد يخطئه ، وجاز تقليده على تقدير فقد الأعلم. والمتحصل : أن العالم والأعلم بالإضافة إلى العناوين الواردة في أدلة التقليد ، متساويان ولا موجب لتقديم أحدهما على الآخر.
فالصحيح في الحكم بوجوب تقليد الأعلم ، هو السيرة العقلائية الّتي استكشفنا إمضاءَها من عدم الردع عنها في الشريعة المقدسة.
الشك في حجية فتوى غير الأعلم
إذا أثبتنا حجية فتوى غير الأعلم عند العلم بالمخالفة بينه وبين الأعلم في الفتوى أو أثبتنا عدم حجيتها فلا كلام ، وأما لو شككنا في حجيتها وعدمها فهل الأصل يقتضي التخيير بينهما أو أنه يقتضي الأخذ بما يحتمل تعينه وهو فتوى الأعلم؟ وهذا بعد الفراغ عن أن العامّي غير مكلف بالاحتياط لعدم قدرته عليه أو لاستلزامه سدّ باب التقليد بالكلّية ، فالكلام إنما هو بعد العلم بعدم وجوب الاحتياط على العامّي.
فقد يقال : إن الأصل عند دوران الأمر بين الحجية التعيينية والتخييرية يقتضي التخيير ، فإن حاله حال دوران الأمر بينهما في الأحكام فكما أن الأمر لو دار بين كون صلاة الجمعة مثلاً واجبة تعيينية وبين أن تكون واجبة تخييرية بأن يكون المكلف مخيراً بين صلاتي الجمعة والظهر ، دفعنا احتمال التعين في الجمعة بالبراءة إذ الإلزام بالجامع معلوم والشك في اعتبار الخصوصية الزائدة عليه أعني خصوصية الجمعة وحيث إنه تقييد وكلفة زائدة فيدفع وجوبها بالبراءة ، فكذلك الحال في المقام فإن