أدلة المثبتين
الأوّل : الاستصحاب ، أعني استصحاب حجية فتوى الميت قبل موته ، ولا يرد عليه ما أوردناه على استصحابها في تقليده ابتداء ، من أن الحجية الفعلية مقطوعة الخلاف إذ لا وجود للمكلف في عصر المجتهد فضلاً عن عقله وغيره من الشروط وقد مرّ أن الفعلية متوقفة على وجود المكلف في عصر المجتهد ، والحجية الإنشائية على نحو القضية الحقيقية مردّدة بين الطويل والقصير ، والقدر المتيقن منها هي الحجية ما دام الحياة ، وأمّا جعلها لفتوى الميت حتى بعد الممات فهو مشكوك فيه من الابتداء والأصل عدم جعلها زائداً على القدر المتيقن.
والوجه في عدم وروده على استصحاب الحجية في المقام ، أن الحجية المستصحبة إنما هي الحجية الفعلية في محل الكلام لأن العامّي قد كان موجوداً في عصر المجتهد الميت واجداً لجميع الشرائط ، بل قد كان قلّده برهة من الزمان ولكنّا نشك في أن الحجية الفعلية هل كانت مطلقة وثابتة حتى بعد الممات ، أو أنها مقيدة بالحياة فلا مانع من استصحاب حجية فتواه بعد الممات.
وبهذا يتضح أن المستصحب هو الحكم الظاهري أعني حجية فتوى الميت قبل موته ، ومعه ليس هناك أيّ خلل في أركان الاستصحاب لليقين بالحجية الفعلية والشك في بقائها ، وليس المستصحب هو الحكم الواقعي الّذي أفتى به المجتهد حال الحياة ليرد عليه أن الاستصحاب يعتبر في جريانه اليقين بتحقق المستصحب وحدوثه لدى الشك في البقاء ، وهذا في موارد ثبوت المستصحب باليقين الوجداني من الظهور بمكان لأن المكلف حينما يشك في بقاء المستصحب يتيقن من حدوثه بالوجدان ، وكذا في موارد ثبوته بالعلم التعبدي ، كما إذا ثبتت نجاسة شيء بالبينة أو ثبتت نجاسة العصير المغلي بالرواية وشككنا بوجه في بقائها ، فإن لنا حينئذٍ يقيناً في ظرف الشك بحدوث المستصحب وتحققه وإن كان يقيناً تعبدياً ، لوضوح أنه لا فرق في جريان الاستصحاب بين كون اليقين السابق وجدانياً أو تعبدياً ، كما لا فرق من هذه الناحية بين الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية.
وأمّا في موارد استصحاب الحكم الواقعي الثابت بفتوى المجتهد بعد موته فلا يقين