أنّا لا نلتزم بالتخيير بوجه حتى إذا كان كلا المجتهدين حياً فضلاً عمّا إذا كان أحدهما ميتاً كما يأتي عن قريب إن شاء الله.
وأمّا الصورة الثانية : أعني ما إذا كان الميت أعلم من الكل فالحكم فيها بجواز الرجوع إليه وإن كان ممكناً بحسب مرحلتي الثبوت والإثبات ، للسيرة العقلائية الجارية على الرجوع إلى قول الأعلم من المتخالفين ، بلا فرق في ذلك بين الحي والميت ، ومن هنا قلنا إنهم إذا شخصوا المرض في المريض لراجعوا في العلاج إلى مثل القانون من الكتب الطبية للأطباء الأقدمين ، وقدّموه على قول غيره من الأطباء الأحياء إذا كان مؤلّفه أعلم ولا يراجعون إلى الحي حينئذٍ ، إلاّ أن السيرة مما لا يمكن الاستدلال بها في المقام ، وذلك لاستلزامها حصر المجتهد المقلد في شخص واحد في الأعصار بأجمعها لأن أعلم علمائنا من الأموات والأحياء شخص واحد لا محالة ، فإذا فرضنا أنه الشيخ أو غيره تعيّن على الجميع الرجوع إليه حسبما تقتضيه السيرة العقلائية ، وذلك للعلم الإجمالي بوجود الخلاف بين المجتهدين في الفتيا ويأتي أن مع العلم بالمخالفة يجب تقليد الأعلم فحسب من دون فرق في ذلك بين عصر وعصر ، وهو مما لا يمكن الالتزام به لأنه خلاف الضرورة من مذهب الشيعة ولا يسوغ هذا عندهم بوجه لتكون الأئمة ثلاثة عشر.
وبهذا تكون السيرة العقلائية مردوعة ، فلا يبقى أي دليل يدل على جواز تقليد الميت إذا كان أعلم من كلتا الطائفتين ، هذا كلّه في المقام الأول وهو تقليد الميت ابتداءً.
٢ ـ البقاء على تقليد الميت
والكلام فيه أيضاً يقع في صورتين :
إحداهما : ما إذا احتمل موافقة الميت مع المجتهد الحي في الفتوى ولم يعلم المخالفة بينهما.
وثانيتهما : ما إذا علمت المخالفة بينهما.
أما الصورة الأُولى : فيمكن أن يستدل فيها على جواز البقاء على تقليد الميت بجميع الوجوه المتقدمة في الاستدلال على جواز تقليده بحسب الابتداء.