العقلية ، ولا يتمكن من ذلك فيما يرجع إلى الروايات ومباحث الألفاظ مثلاً ، لعدم تبحّره في تلك الأبحاث وعدم مؤانسته معها ، وربما يكون الأمر بالعكس. كما أنه قد يتمكن من استنباط الأحكام المربوطة بالمعاملات ، لقلّة رواياتها وعدم توقفه إلاّ على جملة من القواعد العامة وهي واضحة لديه ، ويعجز عن الاستنباط في أبواب العبادات لكثرة ما فيها من الأحاديث المتعارضة ، هذا.
بل لا يبعد أن يقال : إن المطلق من الاجتهاد مسبوق بالتجزي دائماً وأن أي مجتهد مطلق ، كان متجزّياً في زمان ثمّ قوي وترقى شيئاً فشيئاً حتى تمكن من استنباط أكثر الأحكام أو كلها ، وذلك لأن دعوى أن الرجل قد أصبح مجتهداً مطلقاً من ساعته أو ليلته من غير أن يكون مسبوقاً بالتجزي في زمان ، مما لا شاهد له بل هي أمر غير عادي ولا نستعهد وقوعه بوجه. ولعلّه إلى ذلك أشار صاحب الكفاية قدسسره بقوله : بل يستحيل حصول اجتهاد مطلق عادة غير مسبوق بالتجزّي (١).
نعم ، ليس ذلك من المستحيلات العقلية نظير اجتماع الضدين أو النقيضين ، وذلك لأن المسائل الفقهية في عرض واحد ولا تقدم لبعضها على بعض آخر زماناً أو رتبة بأن يكون التمكن من استنباط بعضها مقدمة للقدرة على استنباط بعضها الآخر ، حتى يتوهم أن المتأخر يستحيل أن يتحقق قبل حصول المتقدم ، حيث إن تحقق ذي المقدمة من دون مقدمته في المقام يستلزم الطفرة المحال ، فأي مانع لدى العقل من أن تحصل ملكة الاجتهاد المطلق دفعة واحدة ولو بالاعجاز والإفاضة من الله ( جلت عظمته ) هذا كلّه في إمكان التجزّي ووقوعه.
الجهة الثانية : جواز رجوعه إلى الغير فيما استنبطه وعدمه
قد اتضح الحال في ذلك مما سردناه في الاجتهاد بالقوة والملكة ، بل الأمر في المتجزّي أوضح بحيث لو قلنا بجواز رجوع من له ملكة الاجتهاد إلى الغير فرضاً لم نتمكن من الالتزام به في المقام ، لأن المتجزّي عالم بما استنبطه من الأحكام بل قد يكون أعلم من غيره ، ورجوعه إلى الغير وقتئذٍ من رجوع العالم إلى العالم أو إلى الجاهل باعتقاده ، لأنه قد يرى خطأه وهل يسوغ أن يرجع إلى من يعتقد خطأه في
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٤٦٧.