حياته عند العمل بقوله وعدمه ، لوضوح أن المريض لو رجع إلى الطبيب وأخذ منه العلاج ثمّ مات الطبيب قبل أن يعمل المريض بقوله ، لم يترك العقلاء العمل على طبق علاجه ، وهذه السيرة لم يردع عنها في الشريعة المقدسة لأن ما قدّمناه من الردع يختص بسيرتهم الجارية على الرجوع إلى العالم الميت من الابتداء ، لأنها وإن كانت محرزة كما مرّ إلاّ أن قيام الضرورة على بطلان انحصار المقلد في شخص واحد رادع عنها كما عرفت وهذا لا يأتي في المقام كما ترى ، إذ لا يلزم من البقاء على تقليد الميت محذور الانحصار ، فالأدلة مقتضية لجواز البقاء ولا مانع عنه سوى الإجماع المدعى في كلام شيخنا الأنصاري قدسسره حيث استظهر من كلمات المجمعين وإطلاقها عدم جواز تقليد الميت مطلقاً ولو بحسب البقاء (١) إلاّ أنه غير صالح للمانعية ، وذلك لما عرفت من أنّا لم نعتمد على إجماعهم هذا في تقليد الميت الابتدائي فضلاً عن أن نستدل به على عدم جواز التقليد البقائي ، حيث إن جماً غفيراً ممن منعوا عن تقليد الميت ذهبوا إلى جوازه.
إذن الصحيح في تقليد الميت هو التفصيل بين الابتداء والبقاء فلا يجوز في الأول ويجوز في الثاني ، بل يجب في بعض الصور كما يأتي تفصيله إن شاء الله.
بقي أمران
أحدهما : أنه هل يشترط في جواز البقاء على تقليد الميت أو وجوبه ، العمل بفتواه قبل موته أو لا يشترط فيه العمل؟
قد يتوهّم والمتوهم كثير أن الحكم في المسألة يختلف بالاختلاف في معنى التقليد وتفسيره ، فإن قلنا إن التقليد هو الاستناد إلى قول الغير في مقام العمل وأنه لون من ألوانه فلا بدّ من اشتراط العمل في الحكم بجواز البقاء فإن تقليد الميت من دون العمل بفتواه قبل موته من التقليد الابتدائي لا محالة وقد عرفت عدم جوازه. وأمّا إذا فسّرناه بالأخذ أو الالتزام بالعمل بفتوى الغير ، فلا وجه لاشتراط العمل في الحكم بجواز البقاء ، بل يكفي فيه مجرد الالتزام بالعمل قبل موت المجتهد.
__________________
(١) راجع ص ٩٣.