وأما المقام الثاني : فحاصل الكلام فيه أن التكلم على أعمال الجاهل المقصّر من عباداته ومعاملاته وأنها تقع صحيحة أو فاسدة ، إنما يخص أفعاله الّتي يترتب على صحتها أو فسادها أثر عملي بالإضافة إلى زماني الحال أو الاستقبال ، كما إذا أتى بالعبادة جاهلاً بحكمها في أول وقتها والتفت إلى حكمها في أثنائه أو في خارجه ، فإنه إذا قلنا ببطلانها ترتب عليه الحكم بوجوب إعادتها أو قضائها كما يترتب على القول بصحتها عدم وجوب الإعادة أو القضاء. وكما إذا عامل معاملة معاطاتية غير عالم بحكمها ، ثمّ فسخ البائع المعاملة فإنا لو قلنا بفساد المعاملة ، وجب على كل من البائع والمشتري ردّ ما أخذه إلى مالكه ومع تلفه يرد عليه بدله ، ولو قلنا بجواز المعاملة لأجل أن المعاطاة مفيدة للملكية الجائزة القابلة للانفساخ بفسخها وجب على كل منهما ردّ ما أخذه إلى بائعه ، وإن قلنا إن المعاملة لازمة وأن المعاطاة مفيدة للملك اللاّزم لم يجب على المشتري ولا على البائع ردّ العين أو عوضها بوجه. وكذلك الحال في المعاملات بالمعنى الأعم ، كما إذا غسل المتنجّس بالبول مرّة واحدة في الكثير ، ثم التفت وتردد في اعتبار التعدد فيه لأنّا لو قلنا باعتبار التعدد حتى في الغسل بالماء الكثير ، وجب غسل المتنجّس مرّة ثانية في مفروض الكلام كما يجب غسل ما لاقاه المتنجس مع الرطوبة قبل الغسلة الثانية ، وهذا بخلاف ما لو قلنا بكفاية المرّة في الماء الكثير. وكذا إذا ذبح ذبيحة بغير الحديد بالاختيار ، ثمّ التفت إلى شرطية الحديد وهي باقية بحالها لأنّا لو قلنا بكونها ميتة حرم أكلها وبطلت الصلاة في أجزائها كما أنه لو لم نقل بكونها كذلك حلّ أكلها وجازت الصلاة في أجزائها.
وأما أفعاله الّتي لا يترتب أثر عملي على صحتها وفسادها بالإضافة إلى زماني الحال أو الاستقبال فهي خارجة عن محل الكلام ، لأنه لا أثر للبحث عن صحتها وعدمها ، وهذا كما إذا شرب العصير العنبي بعد غليانه وقبل تثليثه ثمّ التفت وتردد في جوازه وحرمته ، فإنه لا أثر للحكم بحرمته وحليته ، لوضوح أنه لو كان محرّماً فقد مضى ويعاقب على فعله ذلك لحرمته ، وإن كان حلالاً فلا يعاقب بشيء فلا أثر لهما بالإضافة إلى زماني الحال أو الاستقبال.
إذا عرفت ذلك فنقول : إن الماتن ذهب إلى بطلان عمل الجاهل المقصّر الملتفت