في الأحكام وقد بيّنا غير مرّة أن الأحكام الكلّية ليست مورداً للاستصحاب لابتلائه بالمعارض دائماً على ما قرّرناه في محلّه.
الجهة الرابعة : أنّا لو أغمضنا عن ذلك وبنينا على جريان الاستصحاب في الأحكام أيضاً لم يكن مجال لاستصحاب التخيير في المقام ، لأنه مبتلى بالمعارض وهو استصحاب الحجية الفعلية للفتوى المأخوذ بها وتوضيحه :
أن الحجية التخييرية لا معنى محصل لها ، حيث إن الحجة بمعنى الطريقية والوسطية في الإثبات أعني جعل ما ليس بعلم علماً تعبداً ، إذن ما معنى كون الحجة تخييرية؟ فإن أُريد بها أن الجامع بين ما أدى من الأمارات إلى حرمة شيء وما أدى إلى وجوبه قد جعل علماً تعبداً وطريقاً مستكشفاً عن الواقع على ما ذكرناه في الواجبات التخييرية وقلنا إن الواجب التخييري هو الجامع بين الفعلين والخصوصيات الفردية أو النوعية كلّها خارجة عن حيّز الطلب إلاّ أن المكلف له أن يطبقه على هذا وذاك ، فهو وإن كان أمراً معقولاً في نفسه إلاّ أنه في الحجية مما لا محصّل له ، فإن اعتبار الطبيعي الجامع بين ما دلّ على وجوب شيء وما دلّ على حرمته ، علماً تعبداً وحجة كاشفة عن الواقع معناه أن الجامع بين المتنافيين قد جعل طريقاً إلى الواقع ، ولا معنى لجعل الجامع بين الضدّين مثلاً طريقاً وكاشفاً عن الواقع فلا معنى للحجية التخييرية ، اللهُمَّ إلاّ أن يرجع إلى إيكال أمر الحجية إلى اختيار المكلف بأن يتمكن من أن يجعل ما ليس بحجة حجة بأخذه فتوى أحد المتساويين ، لأنه حينئذٍ قد جعل الفتوى المأخوذ بها حجة فعلية وطريقاً إلى الواقع بعد ما لم يكن كذلك ، والحجية التخييرية بهذا المعنى صحيحة إلاّ أنها ليست مورداً للاستصحاب لابتلائه بالمعارض ، وذلك لأن فتوى أحد المتساويين إذا اتصفت بالحجية الفعلية لأخذ المكلف بها ، وشككنا في أن فتوى المجتهد الآخر هل يجوز الأخذ بها أو لا يجوز جرى هناك استصحابان متعارضان ، أحدهما : استصحاب جواز الأخذ بفتوى المجتهد الآخر الّذي نشك في جواز الأخذ بها بقاءً ، لأنه مسبوق بالجواز على الفرض. وثانيهما : استصحاب حجية ما اتصف بالحجية الفعلية بالأخذ به ، لأن الأصل عدم سقوطه عن الحجية بالرجوع إلى المجتهد الآخر ، فاستصحاب بقاء التخيير بالنسبة إلى ما لم يأخذ به قبل ذلك