يريد الأُصولي إثباته لا ينكره المحدّثون. إذن يظهر أن النزاع بين الفريقين لفظي وهو راجع إلى التسمية فإن المحدّث لا يرضى بتسمية تحصيل الحجة اجتهاداً وأما واقعة فكلتا الطائفتين تعترف به كما مر.
٢ ـ مبادئ الاجتهاد :
يتوقف الاجتهاد على معرفة اللغة العربية ، لوضوح أن جملة من الأحكام الشرعية وإن لم يتوقف معرفتها على معرفة اللّغة كوجوب مقدمة الواجب وغيره من موارد الأحكام العقلية الاستلزامية ، إلاّ أنه لا شبهة في أن أكثر الأحكام يستفاد من الكتاب والسنة وهما عربيان ، فلا مناص من معرفة اللّغة العربية في استنباطها منهما حتى إذا كان المستنبط عربي اللّسان ، لأن العربي لا يحيط بجميع اللغة العربية وإنما يعرف شطراً منها فلا بدّ في معرفة البقية من مراجعة اللّغة. ولا نقصد بذلك أن اللغوي يعتبر قوله في الشريعة المقدسة كيف ولم يقم دليل على حجيته ، وإنما نريد أن نقول إن الرجوع إلى اللّغة من الأسباب المشرفة للفقيه على القطع بالمعنى الظاهر فيه اللّفظ ولا أقل من حصول الاطمئنان بالظهور وإن لم يثبت أنه معناه الحقيقي بقوله ، وذلك لأن الفقيه إنما يدور مدار الظهور ولا يهمّه كون المعنى حقيقة أو مجازاً.
ثمّ إن بهذا الملاك الّذي أحوجنا إلى معرفة اللّغة العربية نحتاج إلى معرفة قواعدها لأنها أيضاً مما يتوقف عليه الاجتهاد وذلك كمعرفة أحكام الفاعل والمفعول ، لضرورة أن فهم المعنى يتوقف على معرفتها. نعم ، لا يتوقف الاجتهاد على معرفة ما لا دخالة له في استفادة الأحكام من أدلتها ، وذلك كمعرفة الفارق بين البدل وعطف البيان وغير ذلك مما يحتوي عليه الكتب المؤلفة في الأدب.
وأمّا علم المنطق فلا توقف للاجتهاد عليه أصلاً ، لأن المهم في المنطق إنما هو بيان ما له دخالة في الاستنتاج من الأقيسة والأشكال كاعتبار كلّية الكبرى وكون الصغرى موجبه في الشكل ، مع أن الشروط الّتي لها دخل في الاستنتاج مما يعرفه كل عاقل حتى الصبيان ، لأنك إذا عرضت على أيّ عاقل قولك : هذا حيوان ، وبعض الحيوان موذٍ ، لم يتردد في أنه لا ينتج أن هذا الحيوان موذٍ.