يأخذ بهذا أو بذاك ، لا أن الحجية تخييرية. بل الحجية بمعنى الطريقية إلى الواقع والمعذّرية عنه على تقدير الخلاف ثابتة لكلتا الفتويين ، فهما حجتان تعيينيتان في نفسيهما وإن كان تنجز الحكم والمنع عن جريان البراءة مستنداً إلى أمر آخر كالعلم الإجمالي أو الاحتمال قبل الفحص ، هذا كلّه عند عدم العلم بالمخالفة بينهما.
وأما الصورة الثانية : أعني ما إذا علمنا بالمخالفة بينهما فالمعروف فيها بين الأصحاب قدسسرهم هو التخيير وما يمكن أن يستدل به على ذلك وجوه :
الأوّل : إطلاقات الأدلة القائمة على حجية فتوى الفقيه فإنها كما تشمل فتوى هذا المجتهد كذلك تشمل فتوى المجتهد الآخر والنتيجة هو التخيير بينهما.
وفساد هذا الوجه مستغن عن البيان ، لما مرّ غير مرة من أن إطلاق أدلة الاعتبار لا يمكن أن يشمل المتعارضين ، لأن شمولها لأحدهما من غير مرجح وشمولها لهما معاً يستلزم الجمع بين الضدين أو النقيضين.
الثاني : السيرة العقلائية بدعوى أنها جرت على التخيير في أمثال المقام ومن هنا لم يسمع توقفهم في العمل برأي واحد من أهل الخبرة والاطلاع إذا خالفه منهم آخر. بل السيرة المتشرعية أيضاً جارية على ذلك لأنهم يعتمدون على فتوى أحد المجتهدين المتساويين ولا يتوقفون في ذلك بوجه.
ويدفعه : أنه إن أُريد بالسيرة جريان سيرة العقلاء على التخيير عند العلم بالمخالفة بين المجتهدين المتساويين في الفضيلة فهي دعوى باطلة ، فإنها خلاف ما هو المشاهد منهم خارجاً لأنهم لا يعتمدون على قول مثل الطبيب عند العلم بمخالفته لقول طبيب آخر عند المعالجة بل يحتاطون في أمثالها إن أمكنهم الاحتياط. وإن أُريد بالسيرة سيرة المتشرعة فهي على تقدير ثبوتها ولم تثبت لم يحرز كونها متصلة بزمان المعصومين عليهمالسلام إذ من أخبرنا أن مجتهدين كانا في الفضيلة على حد سواء وعملت المتشرعة على فتوى كليهما مخيراً ، ولم يردع الأئمة عليهمالسلام عن فعلهم ذلك لنستكشف بذلك أن السيرة ممضاة من قبلهم وهي الّتي وصلت إلينا يداً بيد ، بل من الجائز أن تكون السيرة على تقدير كونها كذلك ناشئة من فتوى المفتين من أصحابنا بالتخيير.