واستدلّ للجواز بوجهين.
أدلة القول بجواز العدول
أحدهما : الإطلاقات ، لأن ما دلّ على حجية فتوى المجتهد وجواز الأخذ بها غير مقيد بما إذا لم يرجع إلى غيره ، فمقتضى الإطلاق حجية فتوى المجتهد وإن أخذ العامّي بفتوى غيره ، هذا.
وفيه : أنّا قد تعرضنا لحال التمسك بالإطلاق في التكلم على التعادل والترجيح (١) وبيّنا أن الإطلاق غير شامل للمتعارضين لأنه يستلزم الجمع بين المتنافيين ، ولا أنه يشمل أحدهما المعيّن دون الآخر لأنه بلا مرجح ، ولا لأحدهما غير المعين لما سيأتي من أن الحجية التخييرية مما لا يمكن المساعدة عليه (٢).
وثانيهما : الاستصحاب ، وذلك لأن المكلف قبل الأخذ بفتوى أحدهما كان مخيّراً بين الأخذ بهذا أو بذاك ، لفرض أن المجتهدين متساويان وفتوى كل منهما واجدة لشرائط الحجية ، فإذا رجع إلى أحدهما وشككنا لأجله في أن فتوى الآخر باقية على حجيتها التخييرية أو أنها ساقطة عن الاعتبار ، حكمنا ببقاء حجيتها التخييرية بالاستصحاب ، ومقتضى ذلك أن المكلف مخيّر بين البقاء على تقليد المجتهد الأول والعدول إلى المجتهد الّذي يريد العدول إليه.
وهذا الاستدلال يمكن المناقشة فيه من جهات :
الجهة الاولى : أن الاستصحاب ، على ما بيّناه في محله (٣) يعتبر في جريانه اتحاد القضية المتيقنة والمشكوك فيها ، ولا يتحقق هذا إلاّ ببقاء الموضوع فيه ، ولم يحرز بقاؤه في المقام ، وذلك لأن الحكم بالتخيير إن قلنا إن موضوعه من لم يقم عنده حجة فعلية فلا شبهة في أن ذلك يرتفع بالأخذ بإحدى الفتويين لأنها صارت حجة فعلية
__________________
(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٦٦.
(٢) راجع ص ١٣٢.
(٣) مصباح الأُصول ٣ : ٢٢٧.