الموضوعية تارة وفي الشبهات الحكمية اخرى.
أما الشبهات الموضوعية ، كما إذا كان الترافع في أداء الدين وعدمه أو في زوجية امرأة وعدمها أو نحوهما ، فاعتبار الأعلمية المطلقة في باب القضاء مقطوع العدم لاستحالة الرجوع في المرافعات الواقعة في أرجاء العالم ونقاطه على كثرتها وتباعدها إلى شخص واحد وهو الأعلم ، كما أن التصدي للقضاء في تلك المرافعات الكثيرة أمر خارج عن طوق البشر عادة ، فمورد الكلام والنزاع إنما هو اعتبار الأعلمية الإضافية كاعتبار أن يكون القاضي أعلم من في البلد وما حوله.
وهل تعتبر الأعلمية بهذا المعنى في القاضي أو لا تعتبر؟
المنسوب إلى الأشهر أو المشهور هو الاعتبار ، والتحقيق عدم اعتبار الأعلمية في باب القضاء وذلك لصحيحة أبي خديجة قال : « قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم ... » (١) فإن قوله عليهالسلام يعلم شيئاً من قضايانا كما أنه يصدق على الأعلم ، كذلك ينطبق على غير الأعلم من الفقهاء. نعم ، لا مجال للاستدلال على ذلك بأن « شيئاً » نكرة يصدق على العلم ببعض المسائل أيضاً ، وذلك لما قدمناه (٢) من أن تنكير تلك اللفظة إنما هو من جهة عدم تمكن البشر من الإحاطة بجميع علومهم وقضاياهم عليهمالسلام فإن الإنسان مهما بلغ من العلم والفقاهة لم يعرف إلاّ شيئاً من علومهم ، لا أنه من جهة أن العلم ولو بالمسألة الواحدة كاف في جواز الترافع عنده.
ودعوى : أن الرواية ليست بصدد البيان من تلك الجهة وإلاّ جاز التمسك بإطلاقها بالإضافة إلى العامّي الّذي علم مقداراً من المسائل الدينية بالتقليد ، مع أن الرواية غير شاملة له يقيناً. وهذا يدلنا على أنها ليست بصدد البيان من تلك الناحية.
مندفعة أوّلاً : بأن الظاهر من قوله عليهالسلام « يعلم شيئاً من قضايانا » هو
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣ / أبواب صفات القاضي ب ١ ح ٥.
(٢) راجع ص ١٩٣.