المعتبر في الأُصول إنما هو اليقين والعرفان والاعتقاد ، وشيء من ذلك لا يتحقق بعقد القلب على ما يقوله الغير. بل هذا هو القدر المتيقن مما دلّ على ذم التقليد واتباع قول الغير في الأُصول كقوله عزّ من قال ﴿ إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ (١).
نعم ، هناك كلام آخر في أنه إذا حصل له اليقين من قول الغير يكتفي به في الأُصول أو يعتبر أن يكون اليقين فيها مستنداً إلى الدليل والبرهان؟ إلاّ أنه أمر آخر أجنبي عمّا نحن بصدده ، وإن كان الصحيح جواز الاكتفاء به إذ المطلوب في الاعتقاديات هو العلم واليقين بلا فرق في ذلك بين أسبابهما وطرقهما ، بل حصول اليقين من قول الغير يرجع في الحقيقة إلى اليقين بالبرهان ، لأنه يتشكّل عند المكلّف حينئذٍ صغرى وكبرى فيقول : هذا ما أخبر به أو اعتقده جماعة ، وما أخبر به جماعة فهو حق ، ونتيجتهما أن ذلك الأمر حق فيحصل فيه اليقين بأخبارهم.
٢ ـ التقليد في الموضوعات الصرفة :
إذا رأى المجتهد أن المائع المعين خمر مثلاً أو أنه مما أصابته نجاسة ، فهل يجب على من قلّده متابعته في ذلك ويعامل مع المائع المعين معاملة الخمر أو ملاقي النجاسة؟
لا ينبغي التوقف في عدم جواز التقليد في الموضوعات الصرفة ، لأن تطبيق الكبريات على صغرياتها خارج عن وظائف المجتهد حتى يتبع فيها رأيه ونظره ، فإن التطبيقات أُمور حسية والمجتهد والمقلّد فيها سواء ، بل قد يكون العامّي أعرف في التطبيقات من المجتهد فلا يجب على المقلّد أن يتابع المجتهد في مثلها.
نعم ، إذا أخبر المجتهد عن كون المائع المعيّن خمراً ، أو عن إصابة النجس له وكان إخباره إخباراً حسياً ، جاز الاعتماد على إخباره إلاّ أنه لا من باب التقليد بل لما هو الصحيح من حجية خبر الثقة في الموضوعات الخارجية ، ومن ثمة وجب قبول خبره على جميع المكلّفين وإن لم يكونوا مقلّدين له كسائر المجتهدين.
__________________
(١) الزخرف ٤٣ : ٢٣.