اشتراط الحياة في من يجوز تقليده أو غير ذلك من الوجوه ، ومعه لا يمكن الاعتماد على إجماعهم ، لوضوح أن الاتفاق بما هو كذلك مما لا اعتبار به ، وإنما نعتبره إذا استكشف به قول المعصوم عليهالسلام.
الثاني : أن الأدلة الدالة على حجية فتوى الفقيه ظاهرة الدلالة على اعتبار الحياة في جواز الرجوع إليه ، لظهور قوله عزّ من قائل ﴿ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ﴾ (١). في إرادة إنذار المنذر الحي ، إذ لا معنى لانذار الميت بوجه. وأمّا صحة حمل المنذر على الكتاب أو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنما هي بلحاظ أنهما إنما ينذران بأحكام الله سبحانه وهو حي ، ولما ورد « من أن الكتاب حي وأنه يجري مجرى الشمس والقمر » (٢) ، وكذا قوله ﴿ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾ (٣) لو تمت دلالته على حجية فتوى الفقيه ، وذلك لأن الميت لا يطلق عليه أهل الذكر بالفعل. وقوله : « أما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه » إذ الميت غير متّصف بشيء مما ذكر في الحديث ، فإن لفظة « كان » ظاهرة في الاتصاف بالأوصاف المذكورة بالفعل ، لا الاتصاف بها في الأزمنة السابقة.
وأمّا الأخبار الآمرة بالرجوع إلى أشخاص معيّنين ، فقد تقدم أن ظهورها في إرادة الحي مما لا خدشة فيه ، لأن الميت لا معنى للإرجاع إليه.
وبما ذكرناه يظهر أن السيرة العقلائية المستدل بها على جواز الرجوع إلى الميت بحسب الابتداء مردوعة في الشريعة المقدّسة ، لظهور الأدلّة في اعتبار الحياة في من يرجع إليه في الأحكام وعدم جواز تقليد الميت ابتداء.
ويرد عليه : أن ظهور الأدلة في اشتراط الحياة في من يجوز تقليده وإن كان غير قابل للإنكار ، لما بيّنا من أن كل قضية ظاهرة في الفعلية بالمعنى المتقدم ، إلاّ أنها ليست بذات مفهوم لتدلّنا على حصر الحجية في فتوى الحي من المجتهدين وعدم حجية فتوى أمواتهم ، ومعه يمكن أن تكون فتوى الميت حجة كفتوى الحي ، غاية الأمر أن
__________________
(١) توبة ٩ : ١٢٢.
(٢) تفسير العياشي ١ : ١١ / ح ٥.
(٣) النحل ١٦ : ٤٣.