الأدلّة المتقدمة غير دالة على الجواز ، لا أنها تدل على عدم الجواز ، وبين الأمرين بون بعيد.
وأمّا رواية الاحتجاج « من كان من الفقهاء ... » فهي وإن لم يبعد دلالتها على حصر الحجية في فتوى الفقيه المتصف بالأوصاف الواردة فيها ، إلاّ أنها لضعفها غير صالحة للاستدلال بها كما مرّ. إذن لا يستفاد من شيء من الكتاب والسنة عدم جواز التقليد من الأموات. نعم ، لو كان الدليل منحصراً بهما لم يمكننا الحكم بجواز تقليد الميت لعدم الدليل عليه إلاّ أن الدليل غير منحصر بهما كما لا يخفى. ثمّ إن الأدلة وإن لم تكن لها دلالة على عدم الحجية ، إلاّ أنه ظهر بما قدّمناه أنه لا مجال للاستدلال بإطلاقها على حجية فتوى الميت إذ لا إطلاق لها ، بل الأمر كذلك حتى على تقدير إطلاقها لما عرفت من أنه غير شامل للمتعارضين على ما قدّمنا تقريبه.
الثالث : أن فتوى الميت لو قلنا بحجيتها لا يخلو إما أن نقول باعتبارها ، حتى إذا كان الميت مساوياً في الفضيلة مع الأموات والأحياء ولم يكن أعلم من كلتا الطائفتين وإمّا أن نقول بحجيتها فيما إذا كان الميت أعلم.
أمّا الصورة الأُولى : فالقول فيها بحجية فتوى الميت وجواز الرجوع إليه وإن كان أمراً ممكناً بحسب مرحلة الثبوت على ما التزمت به العامة وقلّدوا أشخاصاً معيّنين من الأموات ، إلاّ أنه لا يمكن الالتزام به بحسب مرحلة الإثبات لقصور الدليل ، وذلك لما تقدم من العلم بالاختلاف بين الأموات أنفسهم فضلاً عن الاختلاف بين الميت والأحياء ، وقد تقدم أن الأدلة غير شاملة للمتعارضين.
وأما دعوى أن المكلف عند تساوي المجتهدين في الفضيلة يتخير بينهما للإجماع الّذي ادعاه شيخنا الأنصاري قدسسره على ما يأتي في محلّه (١). فيدفعها : أن الإجماع على تقدير تسليمه أيضاً غير شامل لفتوى الميت ، لاختصاصه بالمتساويين من الأحياء فإن الأموات قد ادعوا الإجماع على عدم جواز تقليدهم كما مرّ ، ومعه كيف يمكن دعوى الإجماع على التخيير بينهم في أنفسهم أو بينهم وبين الأحياء. على
__________________
(١) راجع ص ٩٣.