حنظلة : « ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا ... » (١) وفي بعض الأخبار ورد الأمر بالإفتاء صريحاً (٢).
فدعوى أن الفقاهة والاجتهاد بالمعنى المصطلح عليه لا عين ولا أثر له في الأعصار السالفة مما لا وجه له. ومعه لا موجب لاختصاص الآية المباركة بالحكاية والإخبار ، لشمولها الإفتاء أيضاً كما عرفت. فدلالة الآية على حجية الفتوى وجواز التقليد مما لا مناقشة فيه.
ومنها : قوله عزّ من قائل ﴿ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ (٣) حيث دلت على وجوب السؤال عند الجهل ، ومن الظاهر أن السؤال مقدمة للعمل فمعنى الآية المباركة : فاسألوا أهل الذّكر لأجل أن تعملوا على طبق الجواب ، لا أن المقصود الأصلي هو السؤال في نفسه لوضوح أنه لغو لا أثر له ، فلا مصحح للأمر به لو لم يكن مقدمة للعمل. فتدلنا الآية المباركة على جواز رجوع الجاهل إلى العالم وهو المعبّر عنه بالتقليد ، وعلى حجية فتوى العالم على الجاهل ، لأنه لو لم يكن قول العالم حجة على السائل لأصبح الأمر بالسؤال عنه لغواً ظاهراً.
ودعوى أن المراد بها وجوب السؤال عنهم حتى يحصل العلم للسائل من أجوبتهم ويعمل على طبق علمه ، وأن معنى الآية : فاسألوا لكي تعلموا فتعملوا بعلمكم ، من البعد بمكان وذلك لأن مثل هذا الخطاب إنما هو لبيان الوظيفة عند عدم العلم والمعرفة فهو في قبال العلم بالحال ، لا أنه مقدمة لتحصيل العلم ، مثلاً يقال : إذا لست بطبيب فراجع الطبيب في العلاج ، فإن المتفاهم العرفي من مثله أن الغاية من الأمر بالمراجعة ، إنما هو العمل على طبق قول الطبيب ، لا أن الغاية صيرورة المريض طبيباً وعالماً بالعلاج حتى يعمل على طبق علمه ونظره ، فقوله راجع الطبيب ، معناه : راجعه لتعمل على نظره لا لتكون طبيباً وتعمل بعلمك.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٣٦ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ١.
(٢) كأمره عليهالسلام لأبان بن تغلب حيث قال : اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس ... راجع رجال النجاشي ص ٧.
(٣) الأنبياء ٢١ : ٧.