المتقدمة ، إن كان هو أن الحجة المتأخرة لا تؤثر في بطلانها ولا يقلب الصحيح باطلاً فلا ينبغي التأمل في صحته. بل الأمر كذلك حتى في الحجة المقارنة فضلاً عن المتأخرة ، وذلك لأن المدار في الصحة والبطلان إنما هو مطابقة المأتي به مع الواقع وعدمها دون الحجة المقارنة أو المتأخرة ، مثلاً إذا كان المكلف جنباً وتيمم لعذر ثمّ أحدث بالأصغر وتوضأ فصلّى لفتوى مقلده على أن الوظيفة هو الوضوء حينئذ إلاّ أنه تيمم فصلّى لغفلته عن فتوى مقلّده ثمّ بلغ مرتبة الاجتهاد فجزم من الأدلّة بأن الوظيفة هو التيمم حالئذٍ دون الوضوء ، أفلا يحكم بصحة صلاته بدعوى كونها غير مطابقة للحجة المقارنة ، مع جزم المكلف واستكشافه أن الواجب الواقعي هو الصلاة مع التيمم. فلا ريب في أن المدار في الصحة والبطلان على مطابقة الواقع وعدمها دون الحجة المقارنة أو المتأخرة ، فإنّ شيئاً منهما غير مؤثر في البطلان كما أُفيد.
وإن أُريد به أن الحجة المتأخرة غير مؤثرة في الأعمال المتقدمة ولو بالكشف عن مطابقتها مع الواقع وعدمها فهو أمر مخالف للوجدان ، لأن مدلول الحجة المتأخرة غير مختص بعصر ، فإنها تكشف عن أن الحكم الواقعي هو وجوب الصلاة مع التيمم في المثال دون الصلاة مع الوضوء ، وهذا لا يختص بعصر دون عصر ، فالحجة المتأخرة تكشف عن بطلان الأعمال السابقة ووجوب إعادتها أو قضائها. ودعوى أن الحجة المتأخرة غير مؤثرة في الأعمال السابقة عليها أوّل النزاع وليست كبرى مسلمة ، بل قد عرفت أنها على خلاف الوجدان. فإذا أمكن أن تكون الحجة الثانية كاشفة عن مطابقة الأعمال المتقدمة مع الواقع ، أتى ما قدّمناه من أن العامي يشك حينئذٍ في وجوب الإعادة أو القضاء ، وإحراز وظيفته يتوقف على استكشاف كون الأعمال السابقة مطابقة للواقع وعدمها ، إلى آخر ما قدمناه فلا نعيد.
وبما سردناه يندفع ما ربما يتوهّم من أن الحكم بعدم الإجزاء عملاً بالحجة الثانية ترجيح بلا مرجح ، لأن الحجة السابقة كانت حجة في ظرفها كما أن الثانية حجة في ظرفها فلا موجب لتقديم إحداهما على الأُخرى.
والوجه في الاندفاع : أن الحجة السابقة قد سقطت عن الحجية في ظرف الرجوع بخلاف الحجة الثانية ، وهذا هو المرجح لها على سابقتها.