كالاجتهاد والعدالة وغيرهما ، لأنه أيضاً في الحقيقة من الموت غير أن ذلك موت معنوي وذاك موت ظاهري.
وعلى الجملة أن الفتوى كالرواية والبينة فكما أن الراوي أو الشاهد إذا زالت عدالته أو وثاقته بل وإسلامه لم يضرّ ذلك بحجية رواياته أو شهاداته الصادرة عنه حال استجماعه للشرائط ، كيف وقد ورد في بني فضال « خذوا بما رووا وذروا ما رأوا » (١) كذلك الحال في المجتهد إذا افتقد شيئاً من الشرائط بعد ما أخذ عنه الفتوى حين وجدانه لها ، لم يضر ذلك بحجية فتاواه أبداً ، هذا ما تقتضيه القاعدة في المقام.
إلاّ أنه لا يسعنا الالتزام به وذلك لوجود الفارق بين مسألة البقاء على تقليد الميت ومسألة البقاء على تقليد المجتهد الحي إذا افتقد شيئاً من الشرائط المعتبرة في المرجعية وهو ما استكشفناه من مذاق الشارع من عدم ارتضائه بإعطاء الزعامة الدينية لمن ليس له عقل أو لا عدالة أو لا علم له ، لأنه قد اعتبر تلك الأُمور في القاضي والشاهد فكيف لا يعتبرها في الزعامة الدينية ، مع أن منصب الإفتاء من أعظم المناصب الشرعية بعد الولاية.
والسّر في ذلك أن الاتصاف بنقيض الشرائط المعتبرة أو ضدّها غير الحياة منقصة دينية أو دنيوية ، ولا يرضى الشارع الحكيم أن تكون القيادة الإسلامية لمن اتصف بمنقصة يعيّر بها لدى المسلمين ، على أن ذلك هو الّذي يساعده الاعتبار فإن المتصدي للزعامة الدينية إذا لم يكن سالكاً لجادة الشرع لم يتمكّن من قيادة المسلمين ليسلك بهم ما لا يسلكه بنفسه ، أترى أن من يشرب الخمور أو يلعب بالطنبور أو يرتكب ما يرتكبه من المحرمات يردع غيره عن ارتكاب تلك الأُمور؟
وهذا مما لا يفرق فيه بين الحدوث والبقاء فإن العدالة والعقل وغيرهما من الأُمور المتقدمة في محلّها كما تعتبر في المقلّد حدوثاً كذلك يعتبر فيه بقاءً ، فإن ما دلّ على اعتبارها حدوثاً هو الّذي دلّ على اعتبارها بحسب البقاء ، وهو عدم رضى الشارع بزعامة من لم يستجمع الشرائط على ما استكشفناه من مذاقه. فالدليل على اعتبار تلك الشروط في كل من الحدوث والبقاء شيء واحد.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٤٢ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ١٣.