وفساده من الشك في أن من قلّده سابقاً مستجمع للشرائط أو غير مستجمع لها ، فلا مناص من الالتزام بوجوب الإعادة أو القضاء في حقه لما مرّ من أن حديث لا تعاد غير شامل للجاهل المقصر ، هذا.
ويمكن أن يقال : إن حديث لا تعاد وإن كان لا يشمل المقصّر في نفسه إلاّ أن ذلك مستند إلى القرينة الخارجية ، أعني استلزام شموله له حمل الأخبار الواردة في الأجزاء والشرائط بلسان الأمر بالإعادة عند الإخلال بها على المورد النادر وهو العالم المتعمد في تركهما ، وحيث لا يمكن الالتزام به خصصنا الحديث بالجاهل المقصّر ، وبما أن المخصص وهو المقصّر عنوان وجودي فمع الشك في تحققه وإن كانت الشبهة مصداقية ، ولا يجوز التمسك فيها بالعموم. إلاّ أنّا ذكرنا في محلّه (١) أن المخصص المنفصل أو المتصل إذا كان من العناوين الوجودية وشككنا في حصوله وتحققه أمكننا إحراز عدمه بالاستصحاب ، وحيث إن الباقي تحت العموم هو من لم يتصف بذلك العنوان الوجودي كالمقصّر والقرشية ونحوهما ، فنحرز باستصحاب عدم حدوث الاتصاف بالمقصرية والقرشية أن المشكوك فيه من الأفراد الباقية تحت العموم وأنه مشمول له ومع ثبوت أن الجاهل غير مقصّر بالاستصحاب ، يشمله حديث لا تعاد وبه نحكم بعدم وجوب الإعادة أو القضاء في مفروض الكلام.
بقيت صورة واحدة وهي ما إذا كان هناك مجتهدان أحدهما المعيّن مستجمع للشرائط المعتبرة في المرجعية دون الآخر ، والمكلّف بعد ما أتى بأعماله شكّ في أن تقليده كان مطابقاً للموازين الشرعية أم لم يكن ، أي إنه قلّد من هو مستجمع للشرائط وقابل للتقليد منه ، أو أنه قلّد الآخر غير المستجمع للشرائط من جهة تقصيره في ذلك واتباعه هوى نفسه؟
وفي هذه الصورة أيضاً يحكم بصحة أعماله ولا تجب عليه الإعادة والقضاء لحديث لا تعاد ، لما تقدم من أن الخارج عن الحديث إنما هو عنوان المقصر وهو عنوان وجودي ، ومع الشك في تحققه لا مانع من الرجوع إلى استصحاب عدمه ، فإن به يحرز أن المورد مندرج تحت العموم ومقتضاه عدم وجوب الإعادة أو القضاء ، هذا.
__________________
(١) محاضرات في الأُصول ٥ : ٢٠٧.