العمل وفساده إنما هو بكونه مطابقاً للواقع أو مخالفاً له ، فإذا أحرز المكلّف أن أعماله الّتي أتى بها مطابقة للواقع لأنه عمل فيها بالاحتياط ، أو أتى بالسورة أو التسبيحات الأربع ثلاثاً من باب الرجاء بحيث لم يكن أيّ نقص في عمله لم تجب عليه إعادته أو قضاؤه ، كما أنه إذا علم بمخالفتها للواقع فيما يرجع إلى الأركان من الطهور والركوع أو غيرهما مما ورد في حديث لا تعاد وجبت إعادتها أو قضاؤها ، لعدم إتيانه بما هو المأمور به على الفرض ، ومقتضى حديث لا تعاد وجوب الإعادة إذا أخل بالأركان في صلاته. وأما لو علم بمخالفتها للواقع في غير الأركان من الأجزاء والشرائط المعتبرة في المأمور به ، كما إذا أخلّ بالسورة أو اكتفى بالتسبيحات الأربع مرة واحدة ، فإن كان جهله قصورياً عذريا كما إذا اعتمد على علمه الوجداني أو التعبدي كالبينة ثمّ شك شكاً سارياً في مطابقته للواقع أو ظهر له فسق البينة ، فمقتضى حديث لا تعاد عدم وجوب الإعادة لشموله للجاهل القاصر على ما بيّناه عند التكلّم على حكم الجاهل القاصر والمقصّر. وأما إذا كان جاهلاً مقصّراً ، كما لو قلّد باشتهاء من نفسه أو لغير ذلك من الدواعي غير المسوّغة للتقليد فلا يشمله حديث لا تعاد ، وحيث أن أعماله غير مطابقة للواقع فلا مناص من إعادتها أو قضائها ، ولعلّ هذا مما لا كلام فيه.
وإنما الكلام فيما إذا كانت المخالفة في غير الأركان ، إلاّ أنه شكّ في أنه جاهل قاصر أو مقصّر للشك في أن استناده إلى فتوى ذلك المجتهد هل كان استناداً صحيحاً شرعياً فهو جاهل قاصر ويشمله الحديث ومقتضاه عدم وجوب الإعادة في حقه ، أو أنه استناد غير شرعي فهو مقصّر والحديث لا يشمله فلا بدّ من الحكم بوجوب الإعادة أو القضاء ، فهل تجب الإعادة أو القضاء في مفروض الصورة أو لا تجب؟
الصحيح أن يفصّل في هذه الصورة بما فصّلنا به في الجهة الأُولى المتقدمة بأن يقال : إن منشأ الشك في المقام إن كان هو الشك في أن استناده كان مطابقاً للموازين الشرعية أم لم يكن ، مع العلم بأن من قلّده مستجمع للشرائط المعتبرة في المرجعية بحيث يجوز للمكلّف أن يقلّد ذلك المجتهد بالفعل ، حكم بصحة عمله ولم تجب عليه الإعادة ولا القضاء لفرض أنه مطابق لفتوى من يجوز تقليده واقعاً ، ولو مع العلم بأن استناده إلى فتاواه لم يكن مطابقاً للموازين الشرعية. وأما إذا نشأ الشك في صحة تقليده