أمر يعرفه كل عارف باللسان ، وأنها كما بيّناه عبارة عن الاستقامة العملية في جادة الشرع ، والأنظار العرفية وتسامحاتهم إنما تتبع في مفاهيم الألفاظ ، فإن التوسعة والتضييق في استفادة المفاهيم من ألفاظها راجعان إلى العرف ، ومن هنا نرتب آثار الماء على المياه الممتزجة بالزاج والجص وغيرهما مما لا يخلو منه الماء عادة ، وكذا آثار الذهب على ما هو ذهب وغيره ، وذلك لأن مفهوم الماء والذهب عند إطلاقهما أعم من الخالص والخليط بغيرهما بمقدار يسير. وأما تطبيق المفاهيم العرفية على مصاديقها ومواردها فلم يقم فيه أيّ دليل على اعتبار النظر العرفي وفهمه. وقد ذكرنا أن مفهوم العدالة أمر يعرفه أهل اللسان ، ومع وضوح المفهوم المستفاد من اللفظ لا يعبأ بالتسامحات العرفية في تطبيقه على مصاديقه ، ومن هنا لا يعتنى بتسامحاتهم في المفاهيم المحددة كثمانية فراسخ في السفر الموضوع لوجوب القصر في الصلاة ، وسبعة وعشرين شبراً في الكر ونحوهما ، حيث يعتبر في القصر أن لا يكون المسافة أقل من ثمانية فراسخ ولو بمقدار يسير لا يضر في إطلاق الثمانية لدى العرف ، وكذا يعتبر في الكر أن لا يكون أقل من سبعة وعشرين شبراً ولو بإصبع وهكذا. وحيث إن مفهوم العدالة أمر غير خفي فلا مناص من أن ينطبق ذلك على مصاديقه انطباقاً حقيقياً عقلياً ، ولا يكفى فيه التطبيق المسامحي العرفي بوجه.
وعلى هذا نقول : إذا كان ارتكاب الصغيرة لا عن عذر وغفلة فلا شبهة في أنه يوجب الفسق والانحراف ، ويمنع عن صدق الخيّر والعفيف والكاف بطنه وغيرها من العناوين الواردة في الأخبار. وأما إذا كان عن غفلة فلا كلام في أن ارتكابها غير مضر للعدالة ، لأنه من الخطأ المرفوع في الشريعة المقدسة من دون فرق في ذلك بين الكبائر والصغائر.
وأما إذا كان عن عذر عرفي فإن بلغ ذلك مرتبة يراه الشارع أيضاً عذراً في الارتكاب ، كما إذا بلغ مرتبة العسر والحرج ، نظير ما لو قدّم له الظالم ماءً متنجّساً وهدّده بضربة أو هتكه أو إخراجه عن البلد على تقدير مخالفته ، جاز له ارتكابه ولم يكن ذلك موجباً للفسق والانحراف أيضاً بلا فرق في ذلك بين الكبيرة والصغيرة. وأما لو لم يبلغ العذر العرفي مرتبة يراه الشارع معذّراً فلا مناص من الحكم بحرمة ارتكابه