عمله للناس لكي يحتسب من العاملين بالوظائف الشرعية والمنقادين لأوامر الله سبحانه ونهيه ، فقد عمل محرّماً لأن الرياء شرك عملي مبغوض لدى الله سبحانه ومن البديهي أن ذلك لا يكون من العدالة في شيء فإنه إنما أتى بما أتى به أو ترك ما تركه برادع الرياء ولولاه لترك الواجب ، وقد فرضنا أن الرياء محرّم ومرتكبه محكوم بالفسق والانحراف عن جادة الشرع. وإما أن يكون أمراً مباحاً ، كما إذا ردعته عن ارتكاب المحرم شرافته وجاهة لأنه لو ارتكبه سقط عن أعين الناس ، والمكلف وقتئذٍ وإن لم ينحرف عن جادّة الشرع ولم يرتكب الحرام ، إلاّ أنه لم يسلكها بداع الخوف وسلوك مسلك العبودية ، وإنما سلكها تحفظاً على شؤونه وجاهة ، فهذه الصورة أيضاً خارجة عن موضوعي الفسق والعدالة والمكلف حينئذٍ ليس بعادل ولا بفاسق.
فالمتحصل : أن العدالة هي : الاستقامة في جادة الشرع بداعي الخوف من الله أو رجاء الثواب ، وهي كما ترى صفة عملية وليست من الأوصاف النفسانية بوجه لوضوح أنها هي الاستقامة في الجادة بداعي الخوف أو رجاء الثواب ، وليس هناك ما يكون ملكة وصفة نفسانية بعد ظهور أن الخوف ليس هو العدالة يقيناً حتى يتوهّم أنها من الصفات النفسانية.
بقي في المقام أمران
أحدهما : أن الاستقامة بالمعنى المتقدم يعتبر أن تكون مستمرة بأن تصير كالطبيعة الثانوية للمكلف ، فالاستقامة في حين دون حين كما في شهر رمضان أو المحرّم أو غيرهما دون بقية الشهور ليست من العدالة في شيء ، فإن المكلف لا يكون مستقيماً بذلك في الجادة ولا سالكاً لها بداع الخوف أو رجاء الثواب. وبعبارة اخرى أن المكلف وقتئذٍ لا يمكن الوثوق باستقامته ، لأنه قد يستقيم وقد لا يستقيم ، مع أن المعتبر في العادل أن يوثق بدينه ولا يتحقق ذلك إلاّ بالاستمرار في الاستقامة ، وكذلك الحال فيما إذا استقام بالإضافة إلى بعض المحرمات دون بعض ، ولعلّ ما ذكرناه من اعتبار الاستمرار في فعل الواجبات وترك المحرمات هو الّذي أراده القائل بالملكة ولم يرد أنها ملكة كسائر الملكات ، والله العالم بحقيقة الحال.