وعدم تنجز الواقع وهذا له موردان :
أحدهما : الشبهات البدوية.
وثانيهما : موارد العلم الإجمالي إذا لم يمكن فيها الاحتياط ، كما في دوران الأمر بين المحذورين.
وإما أن يستقل بصحة العقاب وتنجز الواقع وهو المعبّر عنه بوجوب دفع الضرر المحتمل بمعنى العقاب ، وهذا كما في موارد العلم الإجمالي مع التمكن من الاحتياط.
ثمّ إن العامّي إن استقل عقله بشيء منهما كما إذا استقل بقبح العقاب من دون البيان أو بصحة العقاب كما في موارد احتمال الضرر بمعنى العقاب ، فلا مسوّغ لتقليده لأنه إنما يجوز فيما لم يستقل عقل العامّي بشيء ، إذ مع معرفته وعلمه بالحكم في مورد لا مناص من أن يتبع علمه ونظره ولا يجوز أن يرجع إلى الغير. وبما أن موارد القاعدتين مما لا يتمكن العامّي من تشخيصها لعدم قدرته من تشخيص موارد عدم البيان من موارد البيان وتشخيص موارد احتمال العقاب عن موارد عدم احتماله ، فلا مناص من أن يرجع في تشخيصها إلى المجتهد العالم بمواردهما فإذا بيّن له أن الرواية المعتبرة دلت على وجوب القصر ورواية اخرى كذلك دلت على وجوب التمام وهو متمكن من الاحتياط ، استقل عقله بتنجز الحكم الواقعي في حقه وصحة العقاب على مخالفته ، كما أنه إذا بيّن له أن وجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو حرمة شرب التتن لم يرد فيه البيان استقل عقل العامّي بعدم تنجّزهما في حقه وقبح العقاب على مخالفتهما. وعلى الجملة أن المقلّد بعد ما أحرز صغرى القاعدتين بالتقليد يطبّق عليها كبراهما في نفسه من غير أن يحتاج فيه إلى التقليد ، هذا إن استقل عقله بشيء.
وأما إذا لم يستقل عقله بشيء من القاعدتين فلا مناص من أن يرجع إلى المجتهد في كبراهما كما كان يرجع إليه في صغراهما ، إلاّ أن رجوعه إليه في كبرى القاعدتين أو صغراهما ليس من باب رجوع الجاهل إلى الفقيه ، لأن تشخيص صغريات القاعدتين أو كبراهما ليس من الأحكام الشرعية ليكون العلم بها تفقّهاً في الدين ، وإنما هو من باب رجوع الجاهل إلى العالم وأهل الاطلاع فإنه الّذي جرت عليه السيرة العقلائية.