الآخر أيضاً فلم يثبت بناء من العقلاء على ذلك.

على أنه لو سلمنا حجية الأصل المثبت ، وبنينا على جريان استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان القلة وإثباته تأخر الملاقاة ، فلنا أن ندعي أنها معارضة باستصحاب عدم الملاقاة بعد زمان القلة ، فكما أن الأول يثبت حدوث الملاقاة بعد عروض القلّة كذلك الثاني يثبت حدوثها قبل عروض القلة فيتعارضان ويتساقطان.

أمّا الصورة الأُولى : وهي ما إذا كان الماء قليلاً ثم طرأ عليه أمران : الكرية والملاقاة واشتبه السبق واللحوق فقد عرفت أن فيها مسائل ثلاث :

الاولى : ما إذا جهلنا تاريخ كل واحد من الحادثين.

الثانية : ما إذا علم تاريخ الكرية فحسب.

الثالثة : ما إذا علم تاريخ الملاقاة دون الكرية.

أمّا المسألة الأُولى : فقد ذهب الماتن فيها إلى طهارة الماء ، وقال إن الأحوط التجنب ، والوجه فيما ذهب إليه إما هو ما سلكه شيخنا الأنصاري قدس‌سره من جريان الأصل فيهما في نفسه وسقوطه بالمعارضة فيرجع إلى قاعدة الطهارة في المقام. وإما ما سلكه بعضهم من عدم جريان الأصل في مجهولي التاريخ رأساً كما ذهب إليه صاحب الكفاية قدس‌سره فإنّه على هذا لا بدّ من الرجوع إلى قاعدة الطهارة من الابتداء.

وأمّا المسألة الثانية : فقد ألحقها الماتن بالمسألة المتقدمة وحكم فيها بالطهارة أيضاً ، وهو يبتني على التفصيل بين مجهولي التاريخ وما علم تاريخ أحد الحادثين بالمنع عن جريان الأصل فيما علم تاريخه ، فان الاستصحاب على هذا المسلك غير جار في عدم حدوث الكرية إلى زمان حدوث الملاقاة فيبقى استصحاب عدم حدوث الملاقاة إلى زمان الكرية بلا معارض ويحكم على الماء بالطهارة ، أو يبتني على ما سلكه صاحب الكفاية قدس‌سره من عدم جريان الاستصحاب في أمثال المقام رأساً فيرجع إلى قاعدة الطهارة لا محالة (١).

__________________

(١) كفاية الأُصول : ٤١٩.

۴۸۵۱