وأمّا المسألة الثالثة : فقد حكم فيها الماتن بالنجاسة ، والوجه فيه منحصر بما ذهب إليه شيخنا الأنصاري قدسسره (١) من التفصيل في جريان الأصل بين مجهولي التاريخ وما علم تاريخ أحد الحادثين بالمنع عن جريان الأصل فيما علم تاريخه. وحيث إنّا علمنا تاريخ الملاقاة في المقام فلا يجري الاستصحاب في عدمها إلى زمان الكرية. فإذن يبقى استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة بلا معارض وبذلك يحكم على الماء بالنجاسة ، هذا كلّه فيما اعتمد عليه السيد قدسسره في المقام.
وقد ألحق شيخنا الأُستاذ قدسسره في تعليقته المباركة صورة الجهل بتاريخ كليهما بصورة العلم بتاريخ الملاقاة ، فحكم في كلتا الصورتين بالنجاسة كما حكم بالطهارة في خصوص صورة العلم بتاريخ الكرية ، والوجه في إلحاقه ذلك هو ما ذكره قدسسره في مباحثه الأُصولية من أن الاستصحاب وإن كان يجري في مجهولي التاريخ كما عرفت إلاّ أن أحد الأصلين مما لا يترتب عليه أثر شرعي في خصوص المقام (٢) ، وتوضيحه : أن استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة يترتب عليه شرعاً نجاسة الماء كما هو واضح ، وأمّا استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية فهو مما لا أثر يترتب عليه في نفسه إلاّ أن يضم إليه أن الملاقاة حصلت بعد الكرية ، وبدونه لا يترتب أثر على عدم الملاقاة إلى زمان الكرية فهذا الأصل غير جار في نفسه ، وبه تصبح أصالة عدم الكرية إلى زمان الملاقاة بلا معارض وهي تقتضي النجاسة كما مر وهذا هو المنشأ لعدوله قدسسره إلى الاحتياط في المقام حين تصحيح تعليقته حيث علّق على قول الماتن « وإن كان الأحوط التجنب » ما نصّه : هذا الاحتياط في صورة العلم بتاريخ الكرية ضعيف جدّاً ، وكذا في المسألة الآتية إذا علم تاريخ الملاقاة ثم عدل عنه وكتب « لا يترك هذا الاحتياط ».
هذا ويمكن أن يكون لإلحاقه وجه آخر وإن لم يتعرض له في كلامه وهو انّا لو قلنا بجريان كل من الأصلين في المقام وسقوطهما بالمعارضة أيضاً لا يمكننا الرجوع إلى
__________________
(١) فرائد الأُصول ٢ : ٦٦٧.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٣٥.