ولو قبل وجوده في الخارج (١).

وهذه الكبرى المدعاة قد طبقت على مثل العشرة كالعشرة من الرجال لأنها من عوارض الماهية دون الوجود ، وعلى الكرية المبحوث عنها في المقام ، لأنها أيضاً من عوارض ماهية الماء لا من عوارض وجوده ، حيث إن الكرية مرتبة وسيعة من مراتب طبيعة الماء فلا يصدق أن يقال إن كرية هذا الماء لم تكن قبل وجوده لأنه كر قبل وجوده وبعده ، لا أنه يتصف بالكرية بعد وجوده فلا مجال لاستصحاب العدم الأزلي في مثله ، فهنا مقامان للكلام :

أحدهما : في أصل الكبرى المدعاة.

وثانيهما : في تطبيقها على محل الكلام.

أمّا المقام الأوّل : فحاصل الكلام فيه أنه لا معنى لعروض شي‌ء على الماهية لنعبّر عنه وعن أمثاله بعوارض الماهية ، لأنها في نفسها ليست إلاّ هي فهي في نفسها معدومة وثبوت شي‌ء لشي‌ء فرع ثبوت المثبت له ، ومع معدومية المعروض كيف يصح أن يقال إن له عرضاً موجوداً في الخارج. اللهم إلاّ أن يراد من عوارضها ما ينتزعه العقل عنها في نفسها لو خليت وطبعها كالامكان في الإنسان ، لأن العقل إذا لاحظه في نفسه يرى أنه عادم بكلتا جهتي الوجوب والامتناع ، فيدرك إمكانه لا محالة ويعبّر عنه بعارض الماهية نظراً إلى أن الإمكان لا يعرض على الإنسان بعد وجوده ، لأنه محكوم بالإمكان مطلقاً وجد في الخارج أم لم يوجد ويعبّر عنه أيضاً بالخارج المحمول بمعنى أنه خارج عن ذاتيات الماهية وليس من مقوماتها إلاّ أنه محمول عليها ، من غير حاجة في حمله إلى ضم ضميمة خارجية كما يحتاج إلى ضمها في حمل مثل العالم على الذات ، إذ لا يصح ذلك إلاّ بعد ضم العلم إليها ويعبّر عنه بالمحمول بالضميمة.

وكيف كان فإن أُريد من عوارض الماهية ما ينتزعه العقل منها في نفسها ، فلا ينبغي التأمل في عدم جريان الاستصحاب في أمثال ذلك إلاّ أنه غير مستند إلى مغايرة الموجود للمعدوم والفرق بين عوارض الوجود وعوارض الماهية.

__________________

(١) نهاية الأفكار ٤ : ٢٠٠.

۴۸۵۱