هذا ولا يخفى أن ذلك أيضاً ليس بشرط جديد وراء شرط الاتصال وأمّا الحكم عليه بالانفعال على تقدير ملاقاته النجس فيدفعه ما أشرنا إليه سابقاً من أن الجاري إذا كان مسبوقاً بحالتين متضادتين أعني الاتصال وعدمه ، فهو وإن كان لا يجري فيه استصحاب الاتصال وعدمه إلاّ أن استصحاب الطهارة في الماء مما لا مانع عنه بوجه فبه يحكم بطهارته بل ولا أقل من قاعدة الطهارة ، فالماء لا يحكم عليه بالانفعال.

الرابع : ما حكاه صاحب الحدائق قدس‌سره (١) عن بعض الأفاضل من المحدثين من أن يراد به نبع المادّة دائماً ، أو بعد أخذ مقدار من مائها وقد ذكر في توضيح ذلك أن المواد على أنحاء ثلاثة :

إحداها : ما تكون نابعة على وجه الاستمرار بالفعل بأن تنبع ويجرى ماؤها على وجه الأرض كما في العيون الجارية.

وثانيتها : ما تكون نابعة على نحو الاستمرار أيضاً ولكنه لا بالفعل بل بالاقتضاء بمعنى أن تكون نابعة إلى أن يبلغ الماء حداً معيناً ، وهو تساوي الماء الخارج المجتمع منها في البئر للماء الموجود في مادتها وفي عروق الأرض ، وحينئذٍ تقف ولا تنبع إلاّ أن يؤخذ مقدار من مائها لينزل به سطح الماء ، فتنبع ثانياً بدل المتحلل مما أُخذ منه من الماء إلى أن يتصاعد الماء إلى السطح السابق وهكذا ... فللمادّة اقتضاء النبع دائماً ، وهذا هو الغالب في المواد فإن نبعها لو كان دائمياً وغير منقطع في زمان لأوجب غرق العالم بالماء.

وثالثتها : ما تكون نابعة إلاّ أنّه إذا أخذنا منها ماءها ينقطع نبعها وتقف ولا تنبع ثانياً إلاّ بعد حفر جديد ثم تنبع بمقدار ، وإذا أخذنا منها ذلك المقدار تقف ولا تنبع إلاّ بعد حفر آخر وهكذا .... كما يتفق ذلك في بعض الأراضي والبلدان ، فالنبع في القسمين الأولين دائمي فعلاً أو بحسب الاقتضاء ، وأمّا في الثالث فلا دوام للنبع فيه بوجه بل ولا تصدق على مثله المادّة أصلاً ، لأنّ المادّة من المدد والإمداد والمفروض أنّها لا تمد الماء بعد أخذه فلا يستمد منها في شي‌ء ، والماء الحاصل منها غير مستند إلى‌

__________________

(١) الحدائق ١ : ١٩٦.

۴۸۵۱