الاستمرار في النبع ، وأن ما ينبع في بعض فصول السنة دون بعضها الآخر لا يحكم عليه بالاعتصام (١).
ويضعّف هذا الاحتمال أمران :
أحدهما : ما أورده عليه صاحب الحدائق قدسسره من أن اشتراط دوام النبع في المادّة على خلاف إطلاق صحيحة ابن بزيع ، لأن المادّة فيها غير مقيدة بدوام النبع فهو مضافاً إلى أنّه مما لا شاهد له من الأخبار ولا يساعد عليه الاعتبار قد دلّ الدليل على خلافه (٢).
وثانيهما : أن استمرار النبع إن أُريد به الاستمرار إلى الأبد فهو مما لا يوجد في أنهار العالم إلاّ نادراً ، على أن إحراز ذلك أمر غير ميسور ، فبأي شيء يحرز دوام نبعه إلى الأبد ، وإن أُريد به الاستمرار المقيد بوقت خاص فيقع الكلام في تعيين ذلك الوقت ، وأن الزمان الذي لا بدّ من أن يستمر الجاري إلى ذلك الزمان أيّ زمان ، فهذا الاحتمال في غاية السقوط. ومن هنا طعن عليه المحقق الثاني قدسسره بقوله : إن أكثر المتأخرين عن الشهيد ( طاب ثراه ) ممن لا تحصيل لهم فهموا هذا المعنى من كلامه ...
الثاني : أن يراد بالدوام استمرار النبع حين ملاقاة النجس ، لا على وجه الإطلاق. ولعلّ هذا هو الظاهر من اعتبار الدوام ، ولا بأس به في نفسه إلاّ أنّه ليس أمراً زائداً على ما اعتبرناه في الجاري من الاتصال بالمادّة ، حيث قلنا إن الماء إذا انقطع عنها يحكم بانفعاله على تقدير قلته وعليه فيصبح اعتبار الدوام في كلامه قيداً توضيحياً وإن كان أمراً صحيحاً في نفسه.
الثالث : ما نسب احتماله إلى بعضهم من إرادة الاحتراز عمّا ينبع آناً وينقطع آناً لفتور مادته وضعفها ، وأن مثله ينفعل إذا لاقى نجساً لعدم إحراز اتصاله بالمادّة حال ملاقاة النجس ، ولعلّها لاقته حين انقطاع نبعها.
__________________
(١) الروض : ١٣٥ السطر ٨ ١٠.
(٢) الحدائق ١ : ١٩٥.