ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ المراد بالمئونة في هذه الروايات هي مئونة السنة ، بل عليه إجماع الأصحاب كما نصّ عليه غير واحد ، وإن كان لم يصرّح بلفظ «السنة» في شي‌ء من تلك النصوص كما اعترف به صاحب الحدائق (١) وغيره.

نعم ، في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة على بعض نسخ الوسائل طبع عين الدولة هكذا : «ومن كانت ضيعته لا تقوم سنة» إلخ.

ولكن النسخة مغلوطة جزماً والصحيح كما في الأصل هكذا : «لا تقوم بمئونته» إلخ ، فالنصوص بأجمعها خالية عن تقييد المئونة بالسنة ، وإنّما هو مذكور في كلمات الأصحاب وهو الصحيح.

والوجه فيه : انصراف اللفظ إليها عرفاً لدى الإطلاق بعد عدم الدليل على إرادة مئونة اليوم أو الأُسبوع أو الشهر ، نظراً إلى قيام التعارف الخارجي ولا سيّما في الأزمنة السابقة وخاصّة في القرى على تهيئة مئونة سنتهم في كلّ فصل من الفصول المناسبة لما يحتاجون إليه من الحنطة والأرز والتمر ونحو ذلك ممّا تمسّ به الحاجة ، فكانوا يدّخرونه للصرف إلى العام الحاضر. نعم ، سكنة المدن الكبرى في غنى عن ذلك ، لوفور النعم في أسواقها طوال العام.

وكيفما كان ، فمئونة الشخص لدى العرف تقدّر بالسنين لا بالأيّام أو الشهور أو الفصول ، لعدم انضباطها ، ولأجله كان المتبادر من قولنا : فلان يفي كسبه أو ضيعته بمئونته أو لا يفي ، أو : أنّه مالك للمئونة أو غير مالك ، هو مئونة السنة. وهذا هو السرّ فيما فهمه الأصحاب من مثل هذه الأخبار من التقييد بالسنة بعد

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٣٥٣.

۳۸۶