الحكمين على ما كان عليه أولاً. انتهى ما أردنا نقله ملخّصاً موضّحاً (١).
ويرد عليه : أنّا بيّنا فيما سبق وسنبين قريباً أيضاً أن الحجية التخييرية لا معنى محصل لها سوى إيكال أمر الحجية إلى اختيار المكلف ، بحيث يتمكن من أن يجعل ما ليس بحجة حجة باختياره وأخذه ، ومرجعه إلى حجية كل من الفتويين مشروطة بالأخذ بها ، ومعنى الحجية بناءً على ما هو الصحيح من الطريقية ، هو الكاشفية والوسطية في الإثبات أعني جعل ما ليس بعلم علماً تعبداً ، ونتيجة ذلك أن المجعول شرعاً إنما هو إحراز الواقع تعبداً لا المنجزية والمعذرية لأنهما من الأحكام العقلية المترتبة على الحجية بالمعنى الّذي ذكرناه ، لا أن الحجية هي المنجزية والمعذرية. ويترتب على هذا أن المكلف إذا أخذ بإحدى الفتويين كانت الفتوى المأخوذة حجة فعلية عليه ، ولازمها أن يكون الحكم الّذي أدّت إليه الفتوى المأخوذة متنجزاً عليه ومع صيرورة الفتوى الأُولى حجة فعلية لا تبقى الفتوى الثانية على الحجية التخييرية بوجه ، كما أن الحكم الفرعي قد تنجز على المكلف بأخذه الفتوى المؤدّية إليه ، وهو حكم تعييني منجّز عليه ولا معنى معه لبقاء الفتوى الثانية على الحجية التخييرية.
فبهذا يتّضح أن الفتوى الثانية بعد ما اتصفت الفتوى الأُولى بالحجية الفعلية من جهة أخذ المكلف بها ، لا يعقل اتصافها بالحجية التخييرية حدوثاً كما لا يعقل بقاؤها عليها ، سواء أكان المستصحب حجية الفتوى المأخوذ بها سابقاً أو كان هو الحكم الفرعي الّذي أدت إليه الفتوى المأخوذ بها. بل ذلك في الحكم الفرعي أوضح لأنه حكم تعييني منجّز على المكلف بأخذه الفتوى المؤدية إليه ، فإن التخيير إنما هو في الحجية والمسألة الأُصولية دون الحكم الفرعي لتعينه بالأخذ بما أدت إليه. إذن كان استصحاب الحجية الفعلية أو الحكم الفرعي المتنجز معارضاً لاستصحاب الحجية التخييرية الثابتة على الفتوى الثانية كما ذكرناه. وبهذا يظهر أن هناك حكماً فعلياً شرعياً وهو الحكم الفرعي الّذي أدت إليه الفتوى المأخوذ بها وتعبدنا به الشا رع بمقتضى حجيتها ، فإن حال المقام حال بقية الأحكام الثابتة بالحجج والأمارات الشرعية.
__________________
(١) رسالة في الاجتهاد والتقليد ( الأصفهاني ) : ١٤٨.