مجتهد ثمّ مات ذلك المجتهد ، فله أن يعمل على فتاواه لأنه من البقاء على تقليد الميت وليس تقليداً ابتدائياً له ، وهذا بخلاف ما إذا فسّرناه بالاستناد إلى فتوى المجتهد في مقام العمل ، لأنه حينئذٍ من تقليد الميت ابتداءً لعدم استناد المكلف إلى شيء من فتاوى المجتهد الميت حال حياته ، وإنما التزم بأن يعمل على طبقها فلا يجوز أن يرجع إلى الميت حينئذٍ. وكذلك الكلام في المسألة الثانية لأنه إذا التزم بالعمل بفتيا مجتهد وفسّرنا التقليد بالالتزام حرم عليه العدول عن تقليده لأنه قد قلّده تقليداً صحيحاً ولا مرخّص له للعدول ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا إن التقليد هو الاستناد إلى فتوى المجتهد في مقام العمل لأنه حينئذٍ لم يتحقق منه تقليد المجتهد ليحرم عليه العدول ، بل لا يكون رجوعه لغيره عدولاً من مجتهد إلى مجتهد آخر ، هذا.
ولكنّا سنبيّن قريباً أن المسألتين لا يختلف حكمهما بالاختلاف في معنى التقليد لعدم ابتنائهما عليه حيث إن لكل من المسألتين مبنى لا يفرق فيه الحال بين أن يكون التقليد بمعنى الالتزام أو بمعنى آخر كما يأتي في محلّه ، إذن صحّ ما ذكرناه من أن عنوان التقليد لم يرد في شيء من الأدلة حتى نبحث عن مفهومه.
بقي شيء وهو أن مسألة التقليد ليست تقليدية وتوضيحه : أنّا قد أسبقنا أن كل مكلّف يعلم علماً إجمالياً بثبوت أحكام إلزامية في الشريعة المقدسة من وجوب أو تحريم ، وبه تنجّزت الأحكام الواقعية عليه ، وهو يقتضي الخروج عن عهدتها لاستقلال العقل بوجوب الخروج عن عهدة التكاليف المتوجّهة إلى العبد من سيّده والمكلف لدى الامتثال إما أن يأتي بنفس الواجبات الواقعية ويترك المحرمات ، وإما أن يعتمد على ما يعذّره على تقدير الخطأ وهو ما قطع بحجيته ، إذ لا يجوز لدى العقل الاعتماد على غير ما علم بحجيته حيث يحتمل معه العقاب ، وعلى هذا يترتب أن العامي لا بدّ في استناده إلى فتوى المجتهد أن يكون قاطعاً بحجيتها في حقه ، أو يعتمد في ذلك على ما يقطع بحجيته ، ولا يسوغ له أن يستند في تقليده على ما لا يعلم بحجيته إذ معه يحتمل العقاب على أفعاله وتروكه وعليه لا يمكن أن تكون مسألة التقليد تقليدية ، بل لا بدّ أن تكون ثابتة بالاجتهاد. نعم ، لا مانع من التقليد في خصوصياته كما يأتي عليها الكلام ، إلاّ أن أصل جوازه لا بدّ أن يستند إلى الاجتهاد.