الصحيح عدم جريان التقليد في تلك الأُمور وذلك لأن مشروعية التقليد إنما ثبتت بالسيرة والكتاب والسنة ولا يشمل شيء منها للمقام. أما الكتاب فلأن قوله عزّ من قائل ﴿ فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ... ﴾ (١) إنما يدل على مشروعية التقليد في الأحكام الشرعية الراجعة إلى الدين ، ومن الظاهر أن القاعدة الأدبية ، أو وثاقة راوٍ وعدمها ليست من الدين بوجه.
وأما السنة فلأن المستفاد من الروايات إنما هو مشروعية التقليد فيما يرجع إلى الحلال والحرام أو معالم الدين ونحوها ، ولا ينطبق شيء من ذلك على القواعد الأدبية أو الرجالية لوضوح عدم كونها من الحلال والحرام ولا أنها من المعالم كما لا يخفى.
وأما السيرة العقلائية فلأنها وإن جرت على رجوع الجاهل إلى العالم ، ورجوع المجتهد إلى العالم بتلك القواعد أيضاً من رجوع الجاهل إلى العالم ، إلاّ أن ذلك على إطلاقه ليس مورداً للسيرة أبداً ، لاختصاصها بالمسائل النظرية المحتاجة إلى التدقيق والاستدلال كما في الطبابة والهندسة وغيرهما. وأما الأُمور الحسية الّتي لا يحتاج فيها إلى الدقة والاستنباط فلم تقم فيها السيرة على رجوع الجاهل إلى العالم ، وهذا كموت زيد وولادة ابنه ونحوهما فإنه إذا علم بها أحد باجتهاده وحدسه لم يكن أي مجوّز لتقليده ، لأنهما أمران حسيان لا يحتاجان إلى الاستنباط والاجتهاد ، ولا سيرة على رجوع الجاهل إلى العالم في مثلهما. ومبادئ الاستنباط من هذا القبيل ، لأن القواعد الأدبية راجعة إلى إثبات الظهور ، وهو من الأُمور الحسية فإذا بنى اللغوي أو غيره على أن اللفظة المعينة ظاهرة في معنى كذا بحدسه واجتهاده ، لم يجز اتباعه فيه لأنه لا دليل على مشروعية التقليد في الأُمور الحسية ، ومن هنا قلنا في محله إن اللغوي لا دليل على حجية قوله ونظره ، وكذلك الحال بالنسبة إلى علم الرجال ، لأن العدالة والوثاقة من الأُمور المحسوسة والاخبار عنها حدساً ليس بمورد للتقليد أبداً.
__________________
(١) التوبة ٩ : ١٢٢.