كما لو فحص عنها في مظانّها والأبواب المناسبة لتلك المسألة ولا يظفر بما يدله على الحرمة أو الوجوب ومن هنا يفتي في المسألة بالجواز ، ويقف بعد ذلك في غير الباب المناسب لها على ما يدله على الحرمة أو الوجوب فيضطر بذلك إلى العدول عن فتواه الاولى بالجواز.
وأحسن مثال لتلك الكبرى مسألة حرمة تمكين الزوجة الحائض زوجها من نفسها ، فإن قوله عزّ من قائل ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ (١) خطاب للأزواج والأخبار الدالة على حرمة وطء الحائض في الأبواب المناسبة لها كلّها يختص بهم فمن فحص عن حرمة وطء الحائض لا يعثر في الأبواب المناسبة لها على دليل يدل على الحرمة بالإضافة إلى الزوجة لاختصاص الأدلة بالزوج ، ومن هنا وقع الكلام في أن الحائض هل يجوز أن تمكّن زوجها من نفسها ، كما إذا أراد الوقاع عصياناً من غير ناحية الإعانة على الإثم أو كان زوجها مجنوناً أو غير بالغ حتى يخرج عن شبهة الإعانة على الإثم لعدم حرمة الوطء بالإضافة إليها أو لا يجوز؟ فالمجتهد الفاحص عنها في مظانها لا يكاد تصله الحرمة بالإضافة إلى الزوجة ومعه يفتي بجواز تمكينها. إلاّ أنه إذا عثر في أبواب العدد على باب أن المعتدة بالأقراء إذا رأت الدم في أول الحيضة الثالثة جاز لها أن تتزوج ، ولم يجز لها أن تمكن من نفسها حتى تطهر ، ورأى الأخبار الدالة على حرمة التمكين على الحائض من نفسها اضطر إلى العدول والإفتاء بالحرمة في المسألة ، فهل في تلك الموارد المذكورة يجب على المجتهد أو ناقل الفتوى السابقة أعلام من سمع منه الفتوى الاولى بعد العدول أو لا يجب؟
والصحيح عدم وجوب الاعلام لعدم دلالة الدليل عليه والوجه فيه : أن المقلّد السامع للفتوى الاولى وإن كان يقع في مخالفة الواقع من جهة أخبار المجتهد أو الناقل إلاّ أن التسبيب إلى وقوعه في المحرّم إنما هو من الله سبحانه دون الناقل أو المجتهد ، فإن الفتوى الاولى للمجتهد حجة شرعية في ظرفها ، والمجتهد أو الناقل كان كلاهما مرخصين في بيانها ، فإن المقدار المعتبر من الفحص إنما هو الفحص عن المسألة في مظانها والأبواب المناسبة لها كما مرّ ، ولا يجب الفحص عنها في جميع الأبواب الفقهية
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٢٢.