وحيث إن العامّي كما أشرنا إليه في التعليقة المتقدمة لم يقم عنده دليل على عدم حجية فتوى غير الأعلم ، وإنما قلنا بوجوب تقليد الأعلم في حقه من باب الاحتياط والأخذ بالمقدار المتيقن عند دوران الأمر في الحجية بين التعيينية والتخييرية ، ومع الفتوى المقطوعة حجيتها لا يبقى مجال للاحتياط ، ولا مانع معها من الرجوع إلى فتوى غير الأعلم.
نعم ، إذا فرضنا أن العامّي يتمكن من الاستنباط في تلك المسألة وادي نظره إلى عدم جواز تقليد غير الأعلم وإن أفتى الأعلم بجوازه ، لم يجز له الرجوع إلى غير الأعلم بفتوى الأعلم بالجواز. وأما العامّي غير المتمكن من استنباط ذلك فلا بدّ من أن يرجع إلى الأعلم في تلك المسألة ، فإذا أفتى بجواز الرجوع إلى غير الأعلم اتصفت فتاوى غير الأعلم بالحجية بفتواه ، نظير حجية خبر الثقة فيما إذا أثبتنا حجية الخبر الواحد بالأخبار المتواترة إجمالاً وأخذنا بما هو القدر المتيقن من مداليلها وهو خبر العدل الإمامي ، وبعد هذا أخبر الثقة العدل بحجية خبر الثقة وإن لم يكن عدلاً إمامياً فإنه يثبت بذلك حجية خبر الثقة بعد ما لم يكن حجة على ما بيّناه في التكلّم على حجية الخبر ، وعلى الجملة لا مانع من أن يقلّد غير الأعلم بعد تقليده من الأعلم وإفتائه بجواز الرجوع إليه ، هذا.
على أن الاستشكال في حجية فتوى غير الأعلم لا تترتب عليه ثمرة في محل الكلام ، وذلك لأن الشبهة في ذلك إن كانت من الأعلم فالمفروض أن الأعلم أفتى بجواز تقليد غير الأعلم ولم يستشكل في جوازه ، وإن كانت من غير الأعلم فالمفروض عدم حجية فتاواه إذ الحجة على العامّي إنما هي فتوى الأعلم فحسب ، فإذا أفتى الأعلم بجواز تقليد غير الأعلم لم يكن أي مانع من تقليده وكان هذا في الحقيقة تقليداً من الأعلم.