لملكة الاجتهاد وأن له نظراً وفتوى ، كما لا شبهة في أن إفتاءه مما أذن به الله ، فإن ما أفتى به حسب نظره واجتهاده حكم الله سبحانه في حقه فهو ممن قضى بالحق وهو يعلم فلا افتراء في إسناده الحكم إلى الله ، وإنما الكلام في أن افتاءه ذلك تمويه وإغراء للجاهل وإضلال للسائل ليحرم من تلك الجهة أو أنه لا إغراء ولا إضلال في إفتائه بوجه؟
التحقيق أن السائل إذا كان جاهلاً بالحكم فحسب ، كما إذا علم بعدم عدالة المجتهد مثلاً إلاّ أنه لم يعلم أن فتوى المجتهد إنما تعتبر فيما إذا استجمع العدالة وغيرها من الشرائط ، وجب على المفتي إرشاده وذلك لوجوب تبليغ الأحكام للجاهلين بأن يبيّن للسائل أن الحجة في حقّه هي فتوى المجتهد الجامع للشرائط الّتي منها العدالة إذ لو لا ذلك لكان إفتاؤه إغراءً للجاهل وإضلالاً له وهو حرام.
وأما إذا كان جاهلاً بالموضوع دون حكمه بأن علم أن العدالة معتبرة في فتوى المجتهد وحجيتها ، إلاّ أنه لم يعلم أن المجتهد فاقد للعدالة وإن كان المجتهد عالماً بفسقه عند نفسه ، فافتاؤه ذلك أمر جائز وليس فيه أي إغراء وإضلال كما أنه ليس بافتراء ولا كذب ، وذلك كلّه لأنه الحكم الواقعي في حقه فلا مانع من أن يخبر عن نظره وفتواه ، ومفروضنا أن السائل غير جاهل بالحكم ليجب إرشاده وتبليغه فليس في البين إلاّ أن إفتاءه ذلك وإخباره عن الحكم ليس بحجة على السائل واقعاً وإن كان يعتقد حجيته وليس هذا من الإغراء بوجه. ولا يقتضي ذلك عدم جواز الإفتاء للمجتهد فإنه في الموضوعات الخارجية ، نظير ما إذا اعتقد عدالة شخصين فاسقين في الواقع وقد أخبراه بنجاسة شيء مثلاً فإن أخبارهما وإن لم يكن بحجة عليه واقعاً وإنما يعتقد حجيته بتوهّم أنهما عادلان ، إلاّ أن أخبارهما عن النجاسة مما لا حرمة له لفرض صدقهما في أخبارهما ، ومقامنا من هذا القبيل.
نعم ، لا يجوز للفاسقين أن يشهدا الطلاق وإن اعتقد المجري للطلاق أو الزوجان عدالتهما ، وذلك لأن المرأة بحضورهما ترتّب على نفسها آثار الطلاق الصحيح وأنها مخلاة عن الزوج ، فيزوّج نفسها من غيره إذا انقضت عدتها مع أنها امرأة ذات بعل وهذا بخلاف أمثال المقام فإنه لا يتصوّر أي محذور في إفتاء غير العادل وإن اعتقد الجاهل عدالته ، ولا يجب عليه أن ينبّه السائل بفسقه أبداً ، اللهُمَّ إلاّ أن يكون التصدي