بها ، وغاية الأمر أن الجهل معذّر من حيث العقاب إذا كان مستنداً إلى القصور ، ومع أنه مكلّف بالواقع وهو أيضاً متمكن من الإتيان به لا معنى للأمر بإعادته ، ومع عدم قابلية المورد للأمر بالإعادة لا يمكن أن ينفى عنه وجوبها بالحديث فإنه حينئذٍ من توضيح الواضح لأنه غير مكلّف بالإعادة في نفسه فما معنى نفي وجوبها عنه بالحديث. إذن الحديث غير شامل للجاهل بأقسامه. وهذا الوجه هو الّذي ذكره شيخنا الأُستاذ قدسسره وأصرّ عليه (١).
إلاّ أنه كالوجه السابق مما لا يمكن المساعدة عليه وذلك :
أما أوّلاً : فلأنه لو تمّ فإنما يختص بالجاهل الملتفت الّذي يتردد في صحة عمله وبطلانه ، لأنه متمكن من الإتيان بالواجب الواقعي ولو بالاحتياط. وأما الجاهل المعتقد صحة عمله من جهة التقليد أو غيره فهو والناسي سواء ، لعدم قابليته للتكليف بالواجب نفسه لعدم قدرته على الإتيان به ولو بالاحتياط فإنه يعتقد صحته ، ومن الظاهر أن التمكن من الامتثال شرط لازم لكل تكليف وخطاب ، فإذا لم يكن المكلّف مأموراً بالواقع فلا مانع من الأمر بالإعادة في حقه كما مرّ فإذا صحّ تكليفه بالإعادة صحّ أن ينفى عنه وجوبها بالحديث.
وأما ثانياً : فلأن الجاهل إذا صلّى من دون سورة حتى دخل في الركوع واحتمل أن تكون السورة واجبة في الصلاة ، فهل يكلّف بإتيان الواقع نفسه مع عدم إمكان تداركه لتجاوزه عن محلّه؟ لا ينبغي الشبهة في عدم كونه مكلفاً بنفس المأمور به لعدم إمكان تداركه ومعه يدور الأمر بين الحكم بوجوب المضي في صلاته والحكم بوجوب الإعادة عليه. إذن وجوب الإعادة لا ينحصر بالناسي والجاهل المعتقد صحّة عمله ، بل يجري في حق الجاهل الملتفت أيضاً إذا تجاوز عن محل الواجب المقرر له ولم يتمكن من تداركه ، ومع إمكان إيجاب الإعادة في حقّه لا مانع من أن ينفى عنه وجوب الإعادة بالحديث. نعم ، الجاهل الملتفت الّذي يشك في صحة عمله حال اشتغاله به من دون أن يتجاوز عن محلّه يكلّف بالإتيان بنفس الواجب لقدرته عليه ، ومعه لا معنى لإيجاب الإعادة في حقّه أو ينفى عنه وجوبها بالحديث. وهذا هو معنى قولنا
__________________
(١) كتاب الصلاة ٣ : ٥.