الصغائر أيضاً لو كان معتبراً في العدالة لم يكن للحصر باجتناب الكبائر وجه.
ويرد على ذلك : أن الاستدلال بها إنما يتم فيما لو حملنا فيها المعرّف على المعرّف المنطقي وقلنا إن حقيقة العدالة وماهيتها هو اجتناب الكبائر ، فإن الاجتناب عن الصغائر أيضاً لو كان مقوّماً للعدالة لم يكن للحصر باجتناب الكبائر وجه ، إلاّ أنّا ذكرنا أن المعرّف أُصولي لغوي فالاجتناب عن الكبائر والمعروفية بالفقه والستر وغير ذلك مما ورد في الرواية دوال وكواشف عن العدالة ، وعليه فلا مانع من أن يكون الاجتناب عن الكبائر معرّفاً وكاشفاً عن العدالة ويكون الاجتناب عن الصغائر أيضاً معتبراً في العدالة ، وذلك لأن المعرّف إنما يعتبر عند الشك والتردد ، وإلاّ فمع العلم مثلاً بأن الرجل يشرب الخمر خفاء أو أنه كافر بالله حقيقة وإنما غش المسلمين بإظهاره الإسلام عندهم ، لا معنى لجعل حسن الظاهر والمعروفية بما ورد في الرواية معرّفاً وكاشفاً عن العدالة ، فعلى ذلك إذا علمنا انه يرتكب الصغائر جزمنا بفسقه وانحرافه عن جادة الشرع ولم يترتب أثر على المعرّف بوجه. وإذا لم نعلم بارتكابه لها وشككنا في عدالته وفسقه ، كانت المعروفية بالستر والعفاف واجتنابه الكبائر معرّفان وكاشفان عن عدالته هذا.
على أن الرواية قد ورد في ذيلها : « والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه » ومعنى ذلك أن الستر لجميع العيوب معتبر في استكشاف العدالة. ومن البديهي أن النظر إلى الأجنبية ولا سيما في مجامع الناس من العيوب ، وكيف لا فإنه معصية لله وإن لم يتوعد عليه بالنار في الكتاب ، فإذا لم يكن ساتراً لعيبه لم تشمله الرواية في نفسها. وعلى الجملة الرواية بنفسها تدلنا على أن الاجتناب عن الصغائر معتبر في العدالة ، لعدم صدق الساتر للعيوب مع ارتكاب الصغائر ومع عدمه لا طريق لنا إلى استكشاف اجتنابه عن الكبائر ، لأنه مع الإتيان بالصغيرة يحتمل أن يأتي بالكبيرة أيضاً. إذن استكشاف أن الرجل مجتنب عن الكبائر منحصر بما إذا ستر جميع عيوبه ، فالرواية بنفسها يقتضي اعتبار الاجتناب عن كل من الصغيرة والكبيرة (١).
__________________
(١) وقد قدمنا [ في ص ٢٦٣ ] أنها ضعيفة السند وغير صالحة للاستدلال بها على شيء.