بين حمل السؤال على وقوعه عن المعرّف المنطقي لمفهومها بعد العلم إجمالاً وهو خلاف ظاهر السؤال ، وبين خلاف ظاهر آخر وهو حمل الصفات المذكورة على مجرد ملكاتها ، فتكون ملكاتها معرفة وطريقاً للعدالة وحينئذٍ فلا يصلح أن يراد بها إلاّ نفس اجتناب الكبائر المسبب عن ملكة العفاف والكف وهو القول الثاني.
مدفوعة : ببعد إرادة مجرد الملكة من الصفات المذكورة بخلاف إرادة المعرّف المنطقي الشارح لمفهوم العدالة ، فإنه غير بعيد خصوصاً بملاحظة أن طريقية ملكة ترك المعاصي لتركها ، ليست أمراً مجهولاً عند العقلاء محتاجاً إلى السؤال ، وخصوصاً بملاحظة قوله فيما بعد : والدليل على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لعيوبه ، فإنه على ما ذكر يكون أمارة على أمارة ، فيكون ذكر الأمارة الاولى أعني الملكة خالية عن الفائدة مستغنى عنها بذكر أمارتها ، إذ لا حاجة غالباً إلى ذكر أمارة تذكر لها أمارة أُخرى بخلاف ما لو جعل الصفات المذكورة عين العدالة فإن المناسب بل اللاّزم أن يذكر لها طريق أظهر وأوضح للناظر في أحوال الناس (١). انتهى ما أردنا نقله.
والوجه في الاندفاع يتلخص في أُمور :
الأوّل : ما قدمناه من أن ظاهر الرواية أن المعرّف معرّف أُصولي لغوي وليس معرّفاً منطقياً بوجه.
الثاني : أن الستر والعفاف وغيرهما مما ورد في الرواية ليس من الأفعال النفسية فضلاً عن أن يكون من صفاتها.
الثالث : أن ما أفاده لو تمّ فإنما يتم فيما إذا جعل المعرّف نفس الستر والعفاف أو غيرهما مما ورد في الرواية ، وقد عرفت أن المعرّف هو الاشتهار والمعروفية بتلك الأوصاف لا نفسها ، والاشتهار والمعروفية لم يتوهّم أحد كونها من الصفات النفسانية وبهذا يظهر أن المعرّف في الرواية لا مناص من أن يكون معرّفاً أُصولياً ولا مجال لتوهّم كونه معرّفاً منطقياً ، لأن العدالة ليست هي المعروفية والاشتهار بتلك الصفات كما أنهما ليسا من التعريف باللاّزم المساوي وإن ذهب إليه بعض مشايخنا المحققين
__________________
(١) رسالة في العدالة : ٣٢٧.