أما أولاً : فلأنها ضعيفة السند وغير قابلة للاستدلال بها كما مرّ.
وأما ثانياً : فلأن مفروض الرواية هو العلم بالمخالفة بين الحاكمين وصورة التعارض بينهما ، وأين هذا ممّا نحن فيه ، أعني ما إذا لم يعلم المخالفة بين المجتهدين.
وأما ثالثاً : فلأنها واردة في باب القضاء ولم يقم دليل على أن ما كان مرجحاً هناك فهو مرجح هنا أعني باب التقليد والفتوى ، والسّر فيه ظاهر ، حيث إن الخصومة لا بدّ من فصلها ، ولا سبيل إلى التوقف والاحتياط في القضاء والمرافعات ، وأما التقليد فهو أمر قابل للاحتياط فيه. إذن لا تكون الأورعية مرجحة كيف والأعلمية ليست مرجحة في تلك الصورة على ما قدّمناه في التكلم على وجوب تقليد الأعلم ، مع أن العلم هو الملاك في حجية فتوى العالم فما ظنك بالأورعية.
ثمّ إن مما ذكرناه في الجواب عن الاستدلال بالمقبولة يظهر الجواب عن الاستدلال بغيرها من الأخبار الواردة في القضاء المشتملة على الترجيح بالأورعية (١) ولا نعيد.
وأما إذا كانا متساويين في الفضيلة فهل تكون الأورعية مرجحة؟ فيه خلاف وتفصيل الكلام في ذلك أن للمسألة صوراً ثلاثاً :
الاولى : ما إذا علمنا بموافقتهما في الفتوى. وفي هذه الصورة لا أثر لتعيين المجتهد المقلّد ، إذ لا دليل على لزوم الاستناد إلى أحدهما المعيّن عند الموافقة ومعه لا تكون الأورعية مرجحة بوجه.
الثانية : ما إذا لم يعلم المخالفة بينهما وهل تكون الأورعية مرجحة حينئذٍ؟ ذكر الماتن قدسسره أن المجتهدين المتساويين إذا كان أحدهما أورع وجب اختيار الأورع منهما ، إلاّ أن الصحيح أن الأورعية ليست مرجحة في هذه الصورة أيضاً وقد ظهر وجهه مما قدمناه فيما إذا لم يعلم المخالفة بين الأعلم وغير الأعلم.
الثالثة : ما إذا علمنا بالمخالفة بينهما. مقتضى إطلاق كلام الماتن أن الأورعية أيضاً مرجحة حينئذٍ ، والّذي يمكن أن يستدل به على أن الأورعية مرجحة في هذه الصورة أمران :
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٦ / أبواب صفات القاضي ب ٥ ح ١ ، ٢٠.