من الفتويين يشتمل على المصلحة الملزمة ، إلاّ أن المكلف لو عمل بفتوى الأعلم فهو معذور في تركه التصدي لاستيفاء المصلحة القائمة بفتوى غير الأعلم ، وذلك لاستناده إلى العجز ، فإن المصلحة في اتباع فتوى الأعلم إما أنها مساوية للمصلحة في اتباع فتوى غير الأعلم أو أنها راجحة عليها.
وأما لو عكس ذلك واتبع فتوى غير الأعلم ، فلا معذّر له عن عدم اتباعه لفتوى الأعلم لأن المصلحة في كلتا الفتويين وإن كان يحتمل تساويها فلا يكون اتباعه لأحدهما مفوّتاً لشيء ، إلاّ أن من المحتمل أن تكون مصلحة الاتباع لفتوى الأعلم أزيد من المصلحة القائمة باتباع فتوى غيره ، فيكون اختياره لغير الأعلم مفوّتاً للمصلحة الزائدة من غير عجز أو معذّر آخر لدى العقل وهو قبيح ، فحيث إنه يحتمل العقاب في أتباعه لفتوى غير الأعلم فالعقل مستقل بلزوم دفعه ، وحينئذٍ يتعيّن العمل على طبق فتوى الأعلم كما ذكرناه ، فالمقام ليس من موارد التمسك بالبراءة ومن هنا قلنا إن احتمال العجز عن امتثال أي تكليف غير مسوّغ لتركه وسرّه ما ذكرناه من استقلال العقل بلزوم تحصيل الملاكات الملزمة على كل حال ، ومع الشك في القدرة يحتمل العقاب لاحتمال أنه قادر على الامتثال واقعاً وأنه مكلف بالتحصيل ومعه لا بدّ له من أن يتصدى للامتثال ليقطع بتمكنه أو عجزه.
وعلى الجملة لا مجال للبراءة في تلك المقامات لأن فيها احتمال العقاب والعقل مستقل بلزوم دفعه ، فلا يكتفى بالشك في القدرة وعدمها.
فتلخص : أن تقليد الأعلم عند العلم بمخالفته لغير الأعلم في الفتوى هو المتعيّن هذا إذا كانت فتواه موافقة للاحتياط أو كان كل من الفتويين موافقاً للاحتياط من جهة ومخالفاً له من جهة.
وأما إذا كانت فتوى غير الأعلم موافقة للاحتياط دون فتوى الأعلم ، فالعقل وإن كان يرخّص في اتباعها وقتئذٍ ، إلاّ أنه من جهة كونه محصّلاً للعلم بالامتثال لأنه معنى الاحتياط والإتيان بالعمل رجاءً ، لا أنه مستند إلى حجية فتوى غير الأعلم بحيث يجوز إسنادها إلى الله سبحانه ، وذلك لما قد عرفت من تعيّن الرجوع إلى فتوى الأعلم عند العلم بالمخالفة بينه وبين غير الأعلم في الفتوى ، هذا كلّه في الصورة الثانية.