وهذه الرواية لو لم نناقش في دلالتها بأنها راجعة إلى دعوى الخلافة فإنها الرئاسة الّتي لا تصلح إلاّ لأهلها ، وإلاّ فالرئاسة المجردة عن دعوى الخلافة والإمامة لا يشترط فيها الأعلمية بوجه ، فهي من الأحاديث النبوية الواصلة إلينا مرسلة والمراسيل غير صالحة للاعتماد عليها أبداً.
ومنها : ما رواه أيضاً في البحار عن الجواد عليهالسلام أنه قال مخاطباً عمه : « يا عمّ إنه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه فيقول لك : لم تفتي عبادي بما لم تعلم وفي الأُمة من هو أعلم منك » (١).
وهذه الرواية وإن كانت تدل على اعتبار الأعلمية المطلقة في المفتي إلاّ أنها ضعيفة سنداً لإرسالها. إذن لا يمكن الاستدلال بها بوجه ، فالاستدلال بالأخبار أيضاً ساقط.
الرابع : أن فتوى الفقيه إنما اعتبرت للطريقية إلى الأحكام الواقعية ، وحيث إن فتوى الأعلم أقرب إلى الواقع من فتوى غير الأعلم لسعة إحاطته واطلاعه على ما لا يطلع به غيره من المزايا والخصوصيات ، فلا مناص من الأخذ بها دون فتوى غير الأعلم.
بل ذكر بعض مشايخنا المحققين : أن نسبة العالم إلى الأعلم نسبة الجاهل إلى العالم إذ المراد بالأعلمية ليس هو قوة العلم وشدته نظير بعض العوارض النفسية والخارجية ، فيقال : زيد أبيض من عمرو أو أنه أشجع أو أسخى من فلان ويريدون به شدة بياضه وقوة شجاعته بالإضافة إلى عمرو ، وهذا بخلاف المقام وذلك لأن علم الأعلم وغير الأعلم بالنسبة إلى الوظائف الظاهرية على حد سواء وليس ذلك أقوى في أحدهما من الآخر. نعم ، يتصوّر هذا في المعارف فيقال : إن معرفة زيد بالله أو يوم المعاد أشد وأقوى من معرفة عمرو مثلاً لوصول أحدهما مرتبة عين اليقين والآخر مرتبة علم اليقين ، وأما الأحكام الشرعية فلا يتصوّر فيها ذلك لأن علم كل منهما على حدّ سواء ، وليس العلم في أحدهما أشد وأقوى منه في الآخر بحيث لا يزول بتشكيك المشكك لقوة مبنى عرفانه.
__________________
(١) البحار ٥٠ : ١٠٠.