ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث » (١) حيث دلت على وجوب تقديم الأفقه على غيره.
ويرد على الاستدلال بهذه الرواية وجوه :
الأوّل : أن الرواية ضعيفة السند بعمر بن حنظلة ، إذ لم يرد في حقه توثيق ولا مدح ، وإن سميت روايته هذه بالمقبولة وكأنها مما تلقّته الأصحاب بالقبول وإن لم يثبت هذا أيضاً. نعم ، ورد في المواقيت عن يزيد بن خليفة أنه قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت فقال أبو عبد الله عليهالسلام إذاً لا يكذب علينا » (٢) فلو كانت هذه الرواية معتبرة لدلتنا على أن الرجل موثق غايته كيف وموثّقه الإمام عليهالسلام إلاّ أن تلك الرواية أيضاً ضعيفة فإن يزيد هذا كعمر لم تثبت وثاقته.
الثاني : أن الرواية أجنبية عن المقام لأن ترجيحه عليهالسلام بالأفقهية وغيرها من الصفات الواردة في الرواية إنما هو في الحكمين ، ومن الظاهر أن المرافعات والخصومات لا مناص من فصلها ولا معنى فيهما للحكم بالتخيير لاستلزامه بقاء الترافع بحاله ، ومعه كيف يصح التعدي عن فصل الخصومات الّذي لا مناص عنه في موارد الترافع إلى أمثال المقام الّتي لا مانع فيها من الحكم بالتخيير ، فالرواية كما لا يتعدى عن موردها إلى الروايتين المتعارضتين ، كذلك لا يمكن التعدي عنه إلى الفتويين المتعارضتين لجواز كون المكلف مخيراً في الموردين.
ويؤكّد ما ذكرناه أن الإمام عليهالسلام قد رجّح أحدهما بالأورعية والأصدقية أيضاً ، وهذا كما ترى لا يجري في المقام للقطع بأن الأصدقية أو الأورعية لا تكون مرجّحة في الروايتين أو الفتويين المتعارضتين ، إذ لا أثر للأصدقية في حجية الفتوى بوجه. نعم ، ذهب بعضهم إلى تقديم الأورع في المجتهدين المتساويين في الفضيلة ويأتي عليه الكلام في محله إن شاء الله (٣).
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ١٠٦ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ١.
(٢) وسائل الشيعة ٤ : ١٣٣ / أبواب المواقيت ب ٥ ح ٦.
(٣) راجع ص ١٤٠.